للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - والقول بأن تحكيم الشريعة من الإكراه في الدين يلزم منه نفي وجود أي إكراه في الدين، وهو منافٍ لحقيقة الإسلام، ففيه واجبات ومحرمات وحدود وعقوبات، فلازم هذا القول أن يجعل الإسلام رسالة روحية محضة ليس فيها أي إلزام سياسي -كما هي الرؤية العلمانية-، وأما القول بأن الإسلام فيه إلزامات مع القول بعموم (لا إكراه في الدين) لكل إكراه، فظاهر التناقض!

لهذا؛ لا تجد هذا الفهم عند أحدٍ من المتقدمين، فتفسيرهم للآية ينسجم مع فهمهم لأصول الشريعة وقطعياتها، فلا يمكن أن يقول بأن الآية مطلقة العموم في كل إكراه، لأن هذا ينقض أحكام الإسلام بوضوح، لهذا (لم يختلف أحد من الأمة كلها في أن هذه الآية ليست على ظاهرها، لأن الأمة مجمعة على إكراه المرتد على دينه) (١).

٥ - لا إشكال لدى أصحاب هذه الدعوى من تطبيق الشريعة إن جاءت بتصويت الأكثرية، إذن كيف تكره الأقلية على ذلك ما دام أنه لا إكراه في الدين حسب تصوركم؟ ثم لو أراد بعض من صوت مع الأكثرية أن يتراجع فهل يكره على الدين لمجرد أنه شارك في التصويت؟

فإذا كان تحكيم الشريعة إكراهًا، فلا يجوز تطبيقه على الأقلية ولو أرادت الأكثرية، فعجيب أمر هذا التطبيق، يكون إكراهًا ثم يزول الإكراه بمجرد تصويت الأكثرية! وكأن الآية تقول {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} إلا إن اختارت الأكثرية فأكرهوا الأقلية عليه! والظريف -والمؤسف- أن الأكثرية هذه متعلقة بنسبة غير محددة، فيمكن أن تكون ٧٠ % أو ٦٠ % أو أقل أو أكثر، فأي جرأة على اللَّه فوق أن تحدد نسبة معينة


(١) المحلى، ٢١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>