للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إن من يقول إن الناس لن يختاروا إلا الإسلام، لا يتفطن إلى أنه يفكر من حيث لا يشعر في واقع نظام سياسي غير إسلامي، لأن هذا معناه أن النظام يكفل للناس المطالبة بتغيير الشريعة، ولهم حق التعبير عن آرائهم ضد الإسلام، وتكوين الأحزاب وتأليب الرأي العام والحشد الإعلامي الذي يشكك في الإسلام ويطالب بتغيير أحكامه، ثم بعد هذا كله يكفل لهم إمكانية تغيره، ثم يكفل التصويت من أجله، ثم بعد هذا ينظر في النتيجة.

فصاحب هذا الكلام قفز على كل هذه المقدمات التي تناقض الإسلام مناقضة قطعية، وظن أنه قد أنهى الإشكال لما جزم أن الناس لا يختارون غير الإسلام.

والقصة أن هذه الصورة يوردها رافضو الديمقراطية الليبرالية لإثبات منافاتها للنظام السياسي الإسلامي، والجواب الصحيح أن يقول من يدافع عن الديمقراطية بأنها لن تكون بهذه الصورة ما دامت ديمقراطية إسلامية كما يرون، لا أن يتعامل معها وكأنها من المسلمات، ويجعل الإشكالية فقط في كفة الأصوات الأكثر.

الغفلة عن هذه المقدمات المهمة تجعل الشخص يتوهم أن الإشكال فقط في التعامل مع نتيجة الانتخابات بل حتى هذا ما عاد إشكالًا عليها، بل هو من محاسنها وفضائلها!

(لنفرض فرضًا أن شيئًا من هذه المخاوف قد وقع وظهر بديمقراطية حقيقية أن غالبية المسلمين في قطر من الأقطار قد اختاروا ما يتنافى مع الإسلام وما يعد خروجًا عن الإسلام، فهل العيب في الديمقراطية أم العيب في الواقع القائم؟ فليست الديمقراطية هي التي أتتنا بهذا العيب، وإنما الديمقراطية كشفت لنا هذا العيب، فهذا سبب لشكر الديمقراطية والتمسك بها وليس سببًا لرفضها والقدح فيها واتهامها) (١).


(١) الشورى في معركة البناء لأحمد الريسوني، ١٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>