ستعرف حجم هذا الخلاف حين تقارن الحكم بقطعيات الشريعة مع الحكم بحالة هامشية من الحقوق التي تقرها النظم المعاصرة، فالشريعة -في نظرهم- لا بد لها من تصويت واختيار ولا مشروعية لها إلا من خلاله وتسقط من خلاله، وأما هذا الحق الهامشي فلا يصوت عليه ولا يتعرض له لأنه من الحقوق الطبيعية، وجرب بنفسك فاسأل أصحاب هذا الاتجاه عن أقل حد من التضييق لأي حق هامشي وانتظر جوابهم!
لهذا حين يقال: لا أحد يفرض شيئًا على (سيادة الأمة) و (حرياتها) و (قرارها). . . إلخ، فهو لا يتحدث عن حرية وسيادة مطلقة، بل يتحدث عنها وهو مدرك أنها محكومة بـ (إطار ليبرالي) لا يمكن أن تتجاوزه، ولا يريدك أن تدخل فيه المكون الأساسي والتاريخي للأمة الإسلامية (الشريعة)، فالنزاع حينها ليس مع سيادة الأمة وحرياتها وقرارها، بل مع مفهوم هذه السيادة.
مصدر الخلل:
ماذا لو قالوا: السيادة للشريعة ولا مشروعية لما يخالفها.
ما الذي يدفعهم لكل هذه الإشكالات؟ خاصة مع قناعتهم بوجوب تطبيق الشريعة، ومخالفتهم للتيار العلماني في لزوم أحكام الإسلام.
التفسير الأقرب لها هو (إشكالية التلفيق والخضوع للمفاهيم الحداثية المعاصرة).
فحين يأتي الشخص لمفهوم حداثي معين له فلسفته وسياقاته، ويريد إعماله كما هو، فإنه سيقع في إشكالات كثيرة، وكل ما ورد في هذه المقالة هو نموذج تطبيقي لأحد هذه المفاهيم.