عامة الدراسات المعاصرة التي تبحث الجانب السياسي في الإسلام في أي مجالٍ من مجالاته، كالدراسات عن النظام السياسي أو القانون الدستوري أو نظام الدولة أو الخلافة أو البيعة؛ لا بد أن تعرّج على رأي عبد الرازق بالنقض تفصيلًا، وتزيده نقضًا بحديثها المسهب عن جميع القضايا السياسية من منظور شرعي.
كان لهذه الجهود العلمية الحثيثة أثر ظاهر في كسر العمود الفقري للعَلمانية، وفي قطع الطريق عن أي أمل لمحاولة إنعاش هذه الفكرة، حتى أصبح كثير من العَلمانيين يتحاشى الانتساب لها، وصار اسم علي عبد الرازق مشوّهًا ومثيرًا للنقد والامتعاض لما أحدثه من هذه السنة السيئة، بل إن بعض المفكرين الذين تأثروا بمدِّ العَلمانية سرعان ما عادوا وأعلنوا توبتهم كما فعل الشيخ خالد محمد خالد حين أسَّس للعَلمانية في رسالته الأولى (من هنا نبدأ) التي نشرها عام ١٩٥٠ م، ثم عاد فنقضها في رسالته الأخيرة (الدولة في الإسلام) والتي قرر فيها أنه كان في تصوره لمفهوم الدين متأثرًا بطبيعة الأنظمة المستبدة في أوروبا، وخاضعًا لتأثير ما كان يُنسب إلى بعض الإسلاميين من أخطاء، فأدى به ذلك لاعتناق العَلمانية.
يعترف بعدها أنه أخطأ حين جعل أخطاء بعض الإسلاميين مصدرًا للتفكير وليس موضوعًا للتفكير، فدفعه هذا الشحن النفسي إلى الابتعاد عن الحقيقة وتبني مقدمات غير مستقلة فكريًا (١).
كان لهذه الحملات العلمية والشعبية أثر عميق يعبِّر عنه أحد المؤلفين العَلمانيين بقوله: (كانت لهذه الحملة على العَلمانية عمومًا، وعلى طه حسين وعلي عبد الرازق بوجه الخصوص، نتائج كثيرة، كانت اثنتان منها على قدر كبير من الأهمية، وهما: ضمور الإصلاحية الإسلامية وجمودها على بعض لحظات بدايتها والتآكل