فالذي حصل أن إشكاليَّتي التفكير العَلماني في نفي (وجود رؤية دينية قطعية) بما يعني فرض رؤية استبدادية، و (طبيعة الدولة الحديثة التي لا تعتمد على الدين) بما يثير عددًا من الإشكالات؛ قد تسرَّبت إلى عقول بعض الإسلاميين، فأصبحت هذه الإشكالات حاضرة في تفكيرهم بدرجات متفاوتة، ولا شك أن حضورها لن يكون كما هو لدى العَلمانيين، فثم اختلاف كبير في التصورات بينهما، لكن الإشكال ذاته موجود بدرجة معينة وقد يزيد ويضعف بحسب عوامل كثيرة، هذا كله يسهم في أن تعود العَلمانية في جانبها السياسي من خلال بعض الإسلاميين أنفسهم.
كيف يمكن ذلك؟
الواقع أن (بعض الإسلاميين) صار يقدم عددًا من الرؤى التجديدية في الفكر الإسلامي يفسر بها النظام السياسي الإسلامي تجعلها متقاربة لحد كبير -إن لم تكن متطابقة- مع الرؤية العَلمانية للنظام السياسي، فالنتيجة بين الطرفين واحدة وإن اختلفا في الطريق الموصل إليها.
فتكثيف العَلمانيين للدوافع التي تخوف الناس من الحكم الإسلامي، مع وجود بعض الرؤى التجديدية المنسوبة إلى الإسلام، يعطي فرصة كبيرة لمفهوم (علمنة النظام السياسي) أن يكون له حضور في المرحلة القادمة.
-بعد قليل- سنستعرض عددًا من هذه الرؤى التجديدية التي يقدمها بعض الإسلاميين ونقارنها بالمفهوم العَلماني، لنبحث عن أوجه الاتفاق والاختلاف، ونتمعّن بعدها في (قصة العَلمانية المؤسلمة) وما الذي تجاوزته من (عَلمانية ما قبل الأسلمة)!