هذه التقسيمات وغيرها تكشف عن وجود أزمة حقيقية في كيفية التخلص من ورطة اسم العلمانية، فثمَّة شعور بضرورة تحريك العلمانية من مكانها إلى مناطق جديدة حتى يسلم الشخص من تحمُّل تبعة بشاعة اسم العلمانية لكل من يقترب منها.
وواقع الأمر أن علمانية علي عبد الرازق لم تكن علمانية ملحدة، ولا متطرفة تعادي التدين، بل من يقرأ كتابه (الإسلام وأصول الحكم) سيجد أنه يظهر احترام النصوص ويستدل بالقرآن، فإشكالية الفكر الإسلامي مع العلمانيين لم تكن في الأساس لأنهم لا يؤمنون باللَّه أو يقتلون من يصلي، فهؤلاء خلافنا معهم في الإسلام، وأما العلمانية فخلافنا معهم في حكم الإسلام وتفسيرهم للإسلام، فلا معنى لأن يقول بعضهم ثمَّة علمانية ملحدة وغير ملحدة؛ لأن الخلاف مع الملاحدة في شيء أخطر من الفكرة العلمانية.
يجيب بعضهم عن إشكالية التقارب مع العلمانية فيقول: العلمانية ليست تفسيرًا واحدًا، فكل نظام له نموذج مختلف، بل حتى الأنظمة العلمانية المتوافقة في الفكر تجد بينها اختلافًا كبيرًا.
وهذا جواب يصرف نظر بعض الناس عن الإشكال لكنه لا يقول شيئًا، فمن البديهي أن الأنظمة العلمانية تختلف، ككل الأفكار والاتجاهات، فلا يوجد في الدنيا اتجاه أو مذهب أو فكر لا يقوم على خلافات ورؤى متباينة، إنما هذه الخلافات ترجع لأصول محددة وتتفق على جذور مشتركة وإلا لما صارت فكرة واحدة ولا كانت منظومة محددة، فحديثنا هنا ليس عن (فروع) تفصيلية في العلمانية، بل عن الأصل العلماني المشترك.