للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وماذا فهم بعض المعاصرين منه؟

وما مدى صحة هذا الفهم؟

أما رأي "القرافي" فهو يقرر أن ما صدر عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- باعتباره إمامًا للمسلمين، فهو خاص بالأئمة ولا يقوم به عموم الناس، وما صدر عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- باعتباره قاضيًا فهو للقضاة ولا يقوم به عموم الناس، وما صدر عنه باعتباره تبليغًا وفتوى فهو لعموم الناس، فمثلًا توزيع الغنائم وتجهيز الجيوش فعله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- باعتباره إمامًا فلا يسوغ لأحد أن يوزع الغنائم أو يجهِّز الجيوش إلا إن كان إمامًا، وليس هذا مثل الفتوى الصادرة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- التي تكون لعموم المسلمين، وما فعله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- باعتباره قاضيًا فهو حكم قضائي لا يشمل عموم الناس، مثلًا قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لهند بنت عتبة: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" (١)، هو حكم قضائي فلا يجوز للمرأة أن تأخذ من مال زوجها إلا بعد حكم القاضي؛ لأن تصرُّف الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- كان باعتباره قاضيًا على رأي بعض أهل العلم، وقال آخرون: يجوز للمرأة أن تأخذ بلا إذن قضائي؛ لأن تصرف النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- هنا كان إفتاء لها وليس قضاء على زوجها.

فأحكام الإمامة والقضاء والفتيا كلها قضايا تشريع، لكن منها ما هو تشريع لعموم الناس يقومون به من دون إذن إمام ولا حُكْم قاضٍ، ومنه ما هو تشريع خاص بالإمامة لا يصدر إلا عن إمام، وتشريع خاص بالقضاء لا يصدر إلا عن قاض، فما صدر عن الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- باعتباره قاضيًا أو إمامًا فأحكامها متعلقة بالأئمة والقضاة؛ سواءً كانت واجبة أو مندوبة أو مباحة، وإلا فالأصل هو كونها أحكامًا تشريعية عامة لجميع الناس.


(١) أخرجه البخاري: ٢/ ٧٦٩، رقم (٢٠٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>