للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استبيح إلا بإذنه فكان ذلك شرعًا مقررًا) (١).

فالموضوع عن تصرف معيَّن وليس عن كل أحكام الباب، فهذه عملية نقلٍ قفزت على مفازات عدة حتى وصلت إلى هذه النتيجة!

فتصرفات الإمامة هي جزء من السياسة، وليست هي كل السياسة، فثمَّ أحكام كثيرة شرعية هي من صميم السياسة ولا علاقة لها بموضوع التصرفات.

الخطأ الثاني: أن القرافي جعلها أحكامًا خاصة بالأئمة، ولم يخرجها عن التشريع؛ فهي تشريع حسب تأصيله لكن لا يقوم بها إلا الإمام، وأما هذا الفهم العصري فقد ألغى عنها التشريع بالمرَّة فجعلها أحكامًا مصلحية متغيرة، وهذا بعيد جدًا عن تقرير القرافي، فتصرفات الإمامة المختصة بالأئمة منها ما هو واجب على الإمام كإقامة الحدود، ومنها ما هو مندوب أو مباح حسب كل حكم، ولهذا اختلف العلماء في جملة من الأحكام السياسية، وما خطر ببال أحد منهم أن كل أحكام السياسة خارجة عن التشريع، ولو كان هذا ورادًا عندهم لما أتعبوا أذهانهم في الحديث عن كونها واجبة أو مباحة أو مندوبة أو منسوخة. . . إلخ؛ لأنها في النهاية ستكون خاصة بعصر الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- ولا تُلزِم أحدًا، كما هو هذا الفهم العصري المغلوط!

فهما غلطتان حرَّفتا برأي القرافي وقلبتاه رأسًا فخرج رأي جديد لم يعرفه القرافي ولا كان يدور في خلد أحد من عصره، فالقرافي يتحدث عن جزئية معيَّنة في السياسة وهم جعلوه يتحدث عن كل السياسة! والقرافي يتحدث عن تشريع وإلزام لكنه خاص بالأئمة والقضاة فأخذوا برأيه بعد أن سحبوا قضية التشريع ووضعوها عند الباب.


(١) الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام، ٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>