للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالقرافي يتحدث عن فعل صدر عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- باعتباره إمامًا، ولم يقل: كل أحكام السياسة، فهو يتحدث عن أفعال معتنة قام بها الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- باعتباره إمامًا: كإقامة الحدود وتجهيز الجيوش وقسمة الغنائم ونحوها، ولم يقل هذا في كل باب السياسة! وكان يتحدث عن تصرفات، وليس عن كل الأقوال والأفعال في الباب، فهذا تحريف سيئ لكلامه.

كما أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- له تصرفات باعتباره قاضيًا، ولا يقول أحد: إن كل أحكام القضاء اجتهادية مصلحية لا نصوص فيها!

فمثلًا حين يقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة" (١) هل يقول عاقل: إن هذا تصرف منه -عليه الصلاة والسلام- باعتباره إمامًا؟ فمن حق الحكام أن يحددوا باجتهادهم هل يفلح القوم إن ولَّوا أمرهم امرأة أو لا يفلحون؟

وحين يقول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لمن سأله: أفلا نقاتلهم؟ قال: "لا ما صلوا" (٢). هل يقول أحد: إن هذا حكم للائمة أو للناس فهم الذين يحددون اعتبار الصلاة هنا أو عدم اعتبارها؟ وما الحاجة لسؤال الصحابة للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذن إن كانت كل شؤون السياسة مصلحية بحتة؟

لهذا قال القرافي (فما فعله -عليه السلام- بطريق الإمامة: كقسمة الغنائم، وتفريق أموال بيت المال على المصالح، وإقامة الحدود، وترتيب الجيوش، وقتال البغاة، وتوزيع الإقطاعات في الأراضي والمعادن ونحو ذلك، فلا يجوز الإقدام عليه إلا بإذن إمام الوقت الحاضر؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- فعله بطريق الإمامة وما


(١) أخرجه البخاري: ٦/ ٨، رقم (٤٤٢٥).
(٢) أخرجه مسلم: ٣/ ١٤٨٠، رقم (١٨٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>