أين من يقرأ في نصوص الشريعة ويبحث في أحكامها لينظر في مراد اللَّه ومراد رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- لأجل أن يؤمن به ويعمل بمقتضاه، ويؤمن بعد ذلك كلِّه، أنَّ هذا هو العقل والمصلحة ويعتمد في سبيل ذلك على أقاويل الصحابة وتفاسير التابعين ومذاهب الفقهاء واللغويين حتى يهتدي إلى مراد اللَّه ومراد رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-؟
أين هذا ممن يضع أحكامًا عقليَّة مسبقة ومصالح دنيوية محددة يرى أنَّها بحسب هواه وعقله القاصر هي العقل والمصلحة التي لا تأتي الشريعة بما ينافيها، فإذا وجد آية مُحْكَمة أو حديثًا صحيحًا يهزُّ بعض جوانب هذه الثوابت المتقررة لديه بادر بتكذيب الخبر أو تأويله لأنه ينافي العقل والمصلحة.
ليست هي مقابلة بين (الشريعة) و (العقل)، بل هي مقابلة بين الشريعة وعقل هذا الإنسان وفهمه وإدراكه؛ فهو يجعل أحكام الشريعة مرهونة التطبيق حتى تنفكَّ من معارضتها للعقل بحسب فهمه، فإذا لم يفهم بطلت الشريعةُ، فأصبح عدم الفهم لحكمة الشريعة سببًا لتوقُّف العمل بالأحكام الشرعية.
إنَّ الحكم على الشيء بأنه موافق (للعقل) أو منافٍ له إنما يتأثَّر بذات الشخص وتجاربه وعلمه وبيئته التي يعيش فيها؛ فهو إدراك نسبي في لحظة معيَّنة تتغيَّر مع تقدُّم العمر أو اكتساب المعرفة أو حدوث التجربة، ومن ثَمَّ فالعقل الذي يتحدث عنه عقل آني متغيِّر، وكلُّ ما يقال عنه إنه العقل. . . يوجد في الضفَّة المقابلة من يقول هو ضدُّ العقل وينافي جميع المقدمات العقليَّة؛ فعلى أي الضفَّتين ستستقرُّ الأحكام الشرعية؟
إنَّ جزءًا من الشريعة -بناءً على هذه (المشروطية) - غير قابل للتنفيذ، وهذا الجزء يضيق ويتَّسع بحسب (العقل) الذي يحمله كلُّ إنسان، وبحسب