يستدل بها على أن من رفض أن يحكم بالشريعة فلا يُلزَم بها، فلا بد أن يختارها ويؤمن بها، وحين لا يكون مؤمنًا بها لا يكون ملزَمًا كما خير اللَّه في هذا الآية نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- في أن يحكم بينهم أو يعرض عليهم، ولو كان الحكم ملزمًا لما حصل اختيار.
صدمت من هذا الاستدلال؛ لأن هذه النتيجة تضرب حكمًا قطعيًا من أحكام الإسلام، فكيف استهان أن يضرب هذا الأصل بمجرد فهم عارض طرأ عليه؟
وحتى لو جهل الباحث عن الحق معنى هذه الآية فمن العقل والحكمة أن ينظر في النتيجة التي يأخذها من الآية، فلا يمكن أن يأتي بها على حالة يراها ممزِّقة لأحكام وآيات كثيرة؛ فأين هو عن قول اللَّه -تعالى-: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ}[المائدة: ٤٨]{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة: ٤٤]{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ}[النساء: ١٠٥]{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}[النساء: ٦٥] ونحو هذه الدلائل القاطعة أن الإسلام حاكم على الجميع ولا يجوز تجاوزه أو التخيير في حكمه بمجرد أن أحدًا أو جماعة لا تريد ذلك.
إذن، ما تفسير قول اللَّه -تعالى-: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}.
لأهل التفسير اتجاهان في تفسير هذه الآية، الاتجاه الأول: يرى أنها منسوخة بقول اللَّه -تعالى-: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}[المائدة: ٤٩]. والاتجاه الآخر: يرون أنها غير منسوخة وأنه لا تعارض بينها وبين قوله -تعالى-: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}[المائدة: ٤٩]؛ لأن المقصود أنه مخيَّر، فإذا حكم وجب الحكم بما أنزل اللَّه (١).