للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبناءً عليه، يرى بعض الفقهاء أنه يلزم القاضي أن يحكم بينهم إذا ترافعوا إليه (١)، ويرى آخرون أنه لا يلزم القاضي أن يحكم بين أهل الكتاب حين يأتوه (٢).

وعلى كلا اتجاهي التفسير، وعلى كلتا الرؤيتين الفقهيتين فالحكم يتعلق بجزئية معيَّنة، هي تحاكم أهل الكتاب إلى القاضي المسلم في ما لا يلزمهم من أحكام الإسلام، فالآية لا تتحدث عن (أهل الإسلام) الذين يلزمهم أن يحكموا بالإسلام في كافة قضاياهم، ولا تتحدث عن (أهل الكتاب) فيما يلزمهم من أحكام الإسلام، إنما موضوع الآية في بعض الأحكام التي جعلت الشريعة لأهل الكتاب بأن لهم أن يتحاكموا فيها إلى دينهم، فإن اختاروا التحاكم إلى المسلمين فهل يلزم المسلمين الحكم بينهم؟

هذا هو محل الآية، هو في الحكم بين أهل الكتاب في ما لا يلزمهم، فجاء هذا الاستدلال ليجعله حكمًا عامًا لجميع الناس مسلمهم وكافرهم، ويجعله حكمًا عامًا لكافة القضايا ولو أدى لعدم الحكم بالإسلام، فضرب في أصول الإسلام يمنة ويسرة من حيث يظن أنه يستدل بآية قطعية الثبوت والدلالة! وهي مشكلة قد لا تظهر للقارئ إلا بعد أن ينظر في النصوص كلها فيتضح له عمق هذا الإشكال ومخالفته القطعية؛ لهذا كان العلماء يوصون بأهمية الرجوع لكلام أهل العلم بكتاب اللَّه قبل الحكم لأنهم ينظرون في النصوص جميعًا فلا يقعون في مثل هذه الانحرافات والأخطاء الفادحة.


(١) هو مذهب الحنفية، والقول الجديد عند الشافعية ورواية عند الحنابلة، انظر: بدائع الصنائع: ٢/ ٣١٢، الحاوي الكبير: ٩/ ٣٠٧، المغني: ١٠/ ١٩٠.
(٢) هو مذهب المالكية، والحنابلة، والقول القديم عند الشافعية، انظر. الذخيرة: ٣/ ٤٥٨، المغني: ١٠/ ١٩٠، الحاوي الكبير: ٩/ ٣٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>