للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن من كمال العقل أن يعتقد المسلم أن ما يجيء في الشريعة هو العقل والصلحة، وحين يضع عقلُه سقفًا يحول دون نفوذ شعاع الوحي فإنه سيحرم نفسه خيرًا عظيمًا في النصوص والأحكام التي يحكم من خلالها على (معقولات) الناس وتضع المعايير التي تحدِّد المعنى الذي يقبله العقل والذي يرفضه؛ فالواجب أن تكون أحكام الشريعة حاكمة على العقل ومحددة لأُطره ومسيِّرة لعمله، وليس العقل هو الذي يحدِّد الشريعة ويضع عليها الشروط والمواثيق.

إنهم بهذا يؤمنون بأحكام الشريعة إلا قليلًا، وهذا القليل لا يعلمه إلا اللَّه، فقد ينكشف في أبواب الاعتقاد أو المعاملات أو العبادات، وقد يكون كثيرًا أو قليلًا وقد يكون من الأحكام المجمَع عليها أو المختلَف فيها، وقد يكون من آيات القرآن أو من نصوص السنَّة، ولا يعلم أحد من أي طريق سيأتي هذا البلاء؟

ألا فَلْتنسَ كلَّ هذا، ويكفيني أن تعوف أن الفرق بين الشخصين الذَين يقول أحدهما: (أؤمن بالشريعة، وكلُّ ما فيها فهو حقّ ومصلحة) ويقول الآخر: (أؤمن بالشريعة ما لم تعارض العقل والمصحلة)؛ كالفرق بين من يقول: (أؤمن بالشريعة لأنها صدق ولا تخالف الواقع)، وبين من يقول: (أؤمن بالشريعة ما لم تكن كذبًا ومخالفة للواقع)!

شيء مدهش حقًّا، لم أكن أظن أن هذا المعنى الذي بسطتُ في شرحه كلَّ هذا، وأجهدتُ نفسي والقارئ الكريم في تتبعه وملاحقة أفكاره، قد صاغه (شيخ الإِسلام ابن تيمية) بأسطر من نور يعجز البيان عنها لولا توفيق ربِّ العالمين، يقول -رحمه اللَّه-: (إن ما يستخرجه الناس بعقولهم أمر لا غاية له سواء كان حقًا أو باطلًا، فإذا جوَّز المجوّز أن يكون في (المعقولات) ما يناقض خبر الرسول لم يشق

<<  <  ج: ص:  >  >>