للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الصراحة المهمة أن نقول: إن مثل هذا التخريج هو من قبيل لَيِّ الشريعة وتطويع أحكامها بما يجعلها متلائمة مع الثقافة الغربية المعاصرة، ولئن كان التطويع في زمن مضى حاضرًا بقوة في قضايا (المعجزات) و (الأمور الغيبية) لتعارُضها مع المنهج المادِّي الغربي فإن أعراض هذا الوهن قد انتقلت إلى جهة أخرى، من خلال تطويع الأحكام الشرعية بل والشريعة كلها بما يتوافق مع سطوة الثقافة الغربية المعاصرة في قضايا الحقوق والحريات المدنية.

إن هذا التفسير وإن أغتر به بعض الإِسلاميين إلا أنه مناقض للشريعة ومعارض لأصولها؛ فليس لنا خيار في تطبيق الإِسلام حتى ننتظر به رأي أقليَّة أو أكثرية؛ فمن يرفض الإِسلام هو خارج عن دائرته فلن تكون أحكام ديننا متوقفة على إرادته، وقد بذل الصحابة مُهَجَهُم ودماءهم في سبيل فتح البلاد لنشر الإِسلام ولم تتوقف الفتوحات في يوم من الدهر لمعرفة رأي الناس وهل يقبلون بدخول جيوش الإِسلام أم لا؟ بل إن علماء الإِسلام متفقون على أن الطائفة التي تمتنع عن حكم شرعي واحد فإنها تقاتَل حتى تلتزم بالإِسلام، (١) فلم يكن لأي طائفة خيار على ترك حكم شرعي واحد ولو اتفقت عليه كلها، وسياق الدلائل الشرعية في بطلان هذا التصور يطول.

إنَّ مثل هذا التخريج وإن بدا متلائمًا بعض الوقت ومقنعًا لبعض المخالفين إلا أن له أثرًا سلبيًا بالغ السوء في إثخانه بالأحكام الشرعية وتهوين قدرها في قلوب المسلمين، وذلك من جهات كثيرة، من أبرزها:


(١) قد حكى الإجماع في هذا شيخُ الإِسلام ابن تيمية في مواضع متفرقة من الفتاوى، انظر: ٢٨/ ٣٥٦ و ٤٦٨ و ٥١٠ و ٥٤٥ و ٥٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>