أولًا: أن الشريعة حين تحكم الناس (على هذا التفسير) فليس لكونها شريعة من رب العالمين وإرادة من الحي القيوم؛ وإنما مستنَد ذلك كونها رغبة الناس وإرادتهم؛ فالواجبات الشرعية من إقامة الشعائر ورفض الخمور والفواحش والربا. . . لا تستمد سلطتها من كونها أمرًا شرعيًّا، بل تستمد شرعيتها من خلال رضا الناس ورغبتهم، وهذا هو تفسير آلية عمل الدستور في النظم السياسية المعاصرة، وفي هذا من تهوين الأحكام ما يهزُّ ضمير أي معظِّم لنصوص الشريعة.
ثانيًا: وإذا كانت الشريعة إنما تحكم لإرادة أكثرية في الدستور، فبإمكانهم أن يرفضوها من خلال الطريقة نفسها؛ فالدستور ليس شأنًا جامدًا لا يتغير، بل هو قابل للتغيير والتعديل، وحينئذٍ سيكون بقاء الشريعة في النظام الإِسلامي مرتبطًا برضا وإرادة الأكثرية من الناس وليست أمرًا ثابتًا وضروريًّا، وهذه ثغرة مهولة في أساس هذا التفسير ولازم شنيع، وقد دافع عنها أصحابها بأنَّ إجراءات تعديل الدستور تبدو معقَّدة وطويلة بعض الشيء ولا يمكن للناس أن يتفقوا على تغيير مادة تطبيق الشريعة. . . إلخ، والجواب عنه أن يقال: إن مجرد القول بأن حكم الشريعة مما يمكن أن يعاد النظر فيه هو جريمة لا تحتمل، فليس لمسلم في الشريعة أن يختار في أي حكم شرعي {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}[الأحزاب: ٣٦]، فلا خيار للمؤمن في أي حكم شرعي؛ فكيف يكون له الخيار في ترك الشريعة بأكملها؟ فليس لأي مؤمن أحقية اختيار الحكم الشرعي حتى ولو كان سيختار الإِسلام؛ لأن إيمانه باللَّه يجعله منقادًا ومختارًا لأوامر اللَّه؛ فالميثاق بهذه الطريقة قائم على (إقرار) بجواز تغيير الشريعة إن أراد الناس ذلك، وهذا شرط باطل وشنيع، وحتى لو كان مثل هذا بعيدًا، فالدخول في العقود الدنيوية المحرَّمة باطل لتضمُّنه رضًا بمحرم؛