تصادم شهوات الناس هو من استلهام روح الدستور، وحينها فلن يتعرَّض لأصل الشريعة بالتغيير؛ وإنما سينال التغيير جزءًا كبيرًا من أحكامها لتتلاءم مع الذائقة المعاصرة في حريات الاعتقاد والدعوة وإقامة الشعائر والمساواة المطلقة والتخفُّف من أحكام الإلزام والمنع.
سادسا: أن النظم السياسية المعاصرة لم تجعل للأكثرية إرادة مطلقة؛ لأن استبداد الأكثرية أشد عنفًا وطغيانًا من استبداد الفرد الذي يحاربونه؛ ولهذا قيَّدوا إرادة الأكثرية بجملة من الحقوق التي لا يجوز للأكثرية أن تمسَّها ولا أن تسنَّ فيها قوانين تنافيها؛ فالحريات والمساواة وحقوق الأقلية والمواطنة وغيرها حدود مُحكَمَة لا يمكن لإرادة الأكثرية أن تتجاوزها؛ إذن فإرادة الأكثرية لا تعمل في فضاء مطلق، بل هي مقيَّدة بأصول فكرية محددة؛ فعجبًا لماذا يضعف بعض الإسلاميين عن المطالبة بأن تكون الشريعة من الحدود التي لا يجوز المساس بها؟
لماذا لا يطالبون -على أقل الأحوال- بتحكيم الشريعة من خلال إرادة الأمة، فيقررون أن الأمة دينها الإِسلام ولن تختار غير الإِسلام فيطالبوا باختيار الناس وأن الإِسلام هو خيارهم بلازم كونهم مسلمين، ما حاجتهم لأن يعتقنوا مثل هذه التأصيلات المضللة؟ لماذا يتصور البعض أنه لابد أولًا من إعطاء الناس الخيار المطلق ثم بعد ذلك المطالبة بتطبيق الشريعة؟
سابعا: أن القول بأن المجتمعات المسلمة ستختار الإسلام لا يساوي القول بأن الشريعة هي الحاكمة ابتداء كما سبق من الأوجه، وفيها أيضًا إشكالية أخرى، وهي أن مجرد الاعتراض على الشريعة وحكمها هو فعل مجرم في النظام السياسي