للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحكى الإجماع عليه عشرات من الفقهاء من مختلف الأزمان (١)، بينما تجد هذا الحكم حاضرًا ومشكلًا في الدراسات المعاصرة، وهو ما يدلل على أن العامل المؤثر فيها ليس هو النظر في الاجتهاد الفقهي بقدر ما هو تأثر بروح الثقافة الغربية.

الملفت للانتباه أن التخلُّص من هذا الحكم الشرعي لم يسر على طريقة واحدة؛ فلئن اتفقت كلمة كثير من المعاصرين على ضرورة الانفكاك من تبعات هذا الحكم، إلا أن وسيلة تنفيذ ذلك قد تعدَّدت في ما بينهم، فاجتمعت علينا طرائق كثيرة نستخلص من كل واحدة منها منزعًا من منازع الانحراف الفكري، تتباين في ما بينها تباينًا كبيرًا إلا أنها تجتمع على وصف الحال بأنه (إشكالية حد الردة).

فبعضهم: ينكر هذا الحكم لعدم ذكره في القرآن الكريم، فينظر في الآيات القرآنية التي تخاطب الكفار وتحكي مقولاتهم فلا يجد فيها أي عقوبة لهم في الدنيا، وهو ما يعني أن الشريعة لا ترتب أي عقابٍ دنيوي على من يمارس حريته الدينية في الدنيا، وهذا التفسير يستبطن الانحراف القائم على (إنكار) سنة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ورفض الإيمان بها؛ لأن حد الردة لم يثبت إلا في سنة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فالمطالبة بأن يُذكر الحكم في القرآن يعني أن السنة غير كافية في هذا الباب.

ولا يصل الأمر بآخرين إلى هذا الحد؛ فهو يثبت السنة النبوية لكنه يحكم على حديث "من بدَّل دينه فاقتلوه" (٢) بأنه من قبيل أحاديث (الآحاد) ولا يستقيم


(١) منهم -على سبيل المثال-: ابن المنذر في الإجماع ص ٧٦، والبغوي في شرح السنة: ٥/ ٤٣١، والنووي في شرح صحيح مسلم: ١٢/ ٢٠٨، وابن قدامة في المغني: ١٢/ ٢٦٤، وابن القطان في الإقناع في مسائل الإجماع: ١/ ٣٥٥، والسبكي في السيف المسلول ص ١١٩ وغيرهم.
(٢) أخرجه البخاري عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما: ٩/ ١٥ برقم (٦٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>