العمل بها لأنها ظنية، وهذا انحراف في إنكار شيء من سنة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يشكل أكثر أحاديثه، عليه الصلاة والسلام.
وآخرون لا ينكرون العمل بخبر الآحاد لكنهم لا يرون العمل به في المجالات المهمة كمجال التشريع، وهذا انحراف في وضع شرائط معاصرة حاكمة على السنَّة النبوية؛ وكأن موضوعات التشريع هي المهمة دون موضوعات العبادة أو الاعتقاد أو الأخلاق.
ويأتي الحديث عند الفئة الرابعة: في تقسيم السنة إلى سنة تشريعية وسنة غير تشريعية، وعلى سوء فهمهم لهذا التقسيم، إلا أن الإشكال الأبرز هنا أن المعيار لمعرفة التشريعي في السنة من غير التشريعي معيار مضطرب وغير محدَّد؛ وإنما يستخدم عند كثيرين لإزاحة بعض الأحكام.
ويأتي بعضهم بذريعة (الخلاف الفقهي) ليزيح حضور الحاكم عن طريقه, مع أن المسألة ليس فيها خلاف أصلًا (١)، ولو كان ثمَّ خلاف بين الفقهاء في أي حكم
(١) ينسب كثيرون إلى الفقيهين الكبيرين (إبراهيم النخعي) و (سفيان الثوري) -رحمهما اللَّه- أنهما ينكران حدَّ الردَّة، والحقيقة أن خلاف هذين الإمامين إنما هو في (استتابة) المرتد وليس في حكم قتله، فقد كانا يقولان: يستتاب أبدًا كما رواه عبد الرزاق في مصنفه (١٠/ ١٦٦)، وقولهما هذا إنما هو في معرض حكم الاستتابة وليس في محلِّ الحكم الأصلي، وقد روى عبد الرزاق في مصنَّفه (٦/ ١٠٥) عن الثوري: أن المرتد إذا قتل فماله لورثته، وذكر عنه أيضًا (٩/ ٤١٨): أن من قتل مرتدًا قبل أن يرفع إلى السلطان فليس على قاتله شيء، وهو ما يدل على أن الثوري لا يخالف في هذه المسألة، وهذا ما فهمه الفقهاء في كتب المذاهب؛ حيث يذكرون كلام هذين الإمامين في خلاف الفقهاء في حكم (الاستتابة) وليس في عقوبة المرتد، انظر -على سبيل الثال-: المغني لابن قدامة (١٠/ ٧٢) مغني المحتاج للشربيني (٤/ ١٤٠) وعلى التسليم بأن النخعي والثوري ينكران حد الردة فإنهما يطالبان بالاستتابة الدائمة، وليس بالحرية الدينية للمرتد، ومن ثمَّ فالإشكال الذي يلاحق حد الردة سيأتي هنا، فإذا كان القتل مرفوضًا في الحرية الدينية المعاصرة فالملاحقة والاستتابة والسجن مرفوضة كذلك.