شرعي فالخلاف لا يلغي العمل، وليس من شرط العمل بالأحكام الشرعية أن يتم الاتفاق عليها.
وسادس هذه الانحرافات: من يفسِّر حد الردة بأنه (الخروج) على الدولة ونظامها مما يطلق عليه في النظم المعاصرة (الخيانة العظمى) وتبيح التعامل معه بالقتل، وهذا التفسير جميل متلائم مع الفكر السياسي المعاصر لكنه بعيد عن دلائل الشريعة وكلام الفقهاء، وهو من قبيل تطويع الشريعة لتستقيم مع الثقافية المعاصرة، ويبدو مقنعًا لكثير من الغربيين والمستغربين لكن أصحاب هذا التفسير سيقعون في ورطة مع عقلاء الغربيين وأتباعهم الذين يدركون حقيقة هذا الحكم الشرعي، وسيكون مثل هذا التفسير سبيلًا للاستطالة على الشريعة من جهة أن هذا التفسير يتضمَّن اعترافًا من أصحابه بأن الحكم الشرعي على التفسير الفقهي المعروف مرفوض عقلًا.
وسابع الانحرافات: الاستمساك بالمصلحة في كافَّة صورها لتعطيل العمل بالنص، وموضع الانحراف هنا ليس في ترك العمل بالحكم الشرعي في حال وجود مصلحة معتبرة من ضرورة أو حاجة ماسة، بل هذا اجتهاد شرعي وإن حصل اختلاف في تطبيقاته؛ وإنما الإشكال أن يعطَّل الحكم بكليَّته بدعوى المصلحة، وأن تكون المصلحة حاضرة عند النظر في ثبوت الحكم الشرعي ابتداءً؛ فبدلًا من تقرير ثبوت هذا الحكم مع عدم إمكانية تطبيقه أو وجود ضرر أو غياب مصالح معتبرة عند العمل به، يأتي صاحب المصلحة لينفي هذا الحكم من أساسه بدعوى المصلحة، وهذا خلل؛ لأن المصلحة (بشروطها) قد توقف العمل بالحكم الشرعي؛ غير أنها لا تزيل وصف الشرعية عن الحكم تمامًا.