للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وحين تقرأ للشاطبي كما هو ستجد أن الصورة مختلفة تمامًا، وأن هذا التصور لا يحكي حقيقة الشاطبي ولا موافقاته؛ فهو تصوير للشاطبي بحسب ما يريد للشاطبي أن يكون، وعلى وَفْق ما يراد من موافقاته أن تخدم مشاريع التخفُّف من الأحكام الشرعية.

إن أدنى قراءة عابرة لرسالة (الموافقات) التي كتبها الشاطبي تكشف حقيقة هذا الخداع والافتراء الذي بُغِي به على هذا الإِمام، وستجد أن تعظيم الشريعة ومراعاة نصوصها وجزئياتها وتقديم الدليل الشرعي على كلِّ ما سواه من عقل ومصلحة واجتهاد هو أصل محكم وثابت قطعي يعتمده الشاطبي أساسًا لكل شيء يكتبه في الموافقات، فهو على جادَّة الأئمة الأسلاف في تعظيم النصوص الشرعية والانقياد لها وفي كيفية استنباط أحكامها.

فالعقل عند الشاطبي لا يتقدَّم على النقل بل: (العقل إنما ينظر من وراء الشرع) (١).

فهو تابع منقاد له، بل حتى المسائل الشرعية التي يُستَدل بالعقل فيها على صحَّة النقل فإنما هي عنده على كيفية: (إذا تعاضد النقل والعقل على المسائل الشرعية فعلى شرط أن يتقدم النقل فيكون متبوعًا ويتأخر العقل فيكون تابعًا) (٢).

والنصوص الجزئية لها عناية تامة، وقد أخلى لها في (موافقاته) حيزًا واسعًا لإدراكه بخطر التهاون بها: (فإِن ما يخرم قاعدة شرعية أو حكمًا شرعيًا ليس بحق في نفسه) (٣).


(١) الموافقات: ١/ ٣٦.
(٢) الموافقات: ١/ ٧٨.
(٣) الموافقات: ٢/ ٥٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>