للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التفكير الفقهي المعاصر بعدم رجحان مثل هذه المواقف بناءً على قاعدة جلب المصالح ودفع المفاسد، وهي آراء قابلة في تفاصيلها للاجتهاد والأخذ والرد، غير أن ما يدهش المتابع حقًّا أنَّ هذا الموقف -في جملته- قد كان صيانة ربانية وعناية إلهية لهذه الشريعة من حيث لا نشعر؛ لأن (التفسير السياسي) هو أعظم قوس جائرة سددت إلى جسد التراث الإسلامي؛ فكل الدراسات الفكرية المعاصرة التي أخذت تنبش في تاريخ الإسلام وتراثه كانت تعتمد بشكل رئيسي على تأثير السياسة على النصوص الشرعية وطرائق الاستدلال والاجتهادِ، وأنَّ الأحكام والنصوص لم يكن مردُّها إلى التشريع والديانة بقدر ما هي متأثِّرة بواقعها الذي صاغته السياسة.

وحين يعرف المتابع حقيقة ما كان عليه العلماء في ذلك الزمن، وبُعدَهم عن السلطة، وتحاشيهم عنها، وتحفُّظهم من مجرد الدخول عليها أو تولي القضاء لديها عرف أن مثل هذا الاتهام ضرب من الهجاء والشتيمة لا أساس له من البحث العلمي.

يغطِّي التفسير السياسي مساحة واسعة من حركة خلايا العقل العَلماني المعاصر، ولو تعطَّل هذا التفسير لتوقَّفت حركة تلك القراءات عن البحث في تراث الفقهاء ونصوص السنة، فلا يقرأ الباحث منهم أي حكم أو ينظر في أي نص إلا ويفتش عن أثر السياسة في الموضوع، وبطريقة كسولة جدًا لا تتعدى ربط أي نص شرعي بأقرب حدث سياسي، وتعليق أي حكم بأدنى سلطان (فما من شيء في هذا التاريخ إلا وهو مبصوم بخاتم السياسة، الفكر والفقه والاجتماع والاقتصاد واللغة والفن والجغرافيا والسيكولوجيا، بل والنص الشرعي ذاته) (١).


(١) السلطة في الإسلام، العقل الفقهي السلفي بين النص والتاريخ، لعبد الجواد ياسين، ص ١٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>