للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فكلُّها مصبوغة بالسياسة، ولم يبقَ ما هو خارج عن تأثير السياسة إلا شيء واحد، وهو ما يكتبه مثل هذا المؤلف والبحوث والأفكار التي يقررها فهي بلا شك بعيدة عن تأثير هذه السياسة التي تبصم على كل شيء!

ومع أن التفسير السياسي هو أكبر الأدوات التفسيرية التي يعتمدها هؤلاء في قراءتهم للتراث، وهو أكثرها شيوعًا وحضورًا إلا أنه في الوقت نفسه أضعف نقطة وأهش زاوية يعتمدون عليها، فنشر نماذج وأمثلة للتفسير السياسي على السطح كافٍ لكشف المستوى الموضوعي والعلمي لتلك الدراسات، وأنَّ هذا التفسير يعبِّر عن حالة مرضية أكثر من تعبيره عن روح علمية.

فأحدهم يقرر تأثير السياسة على الشافعي لأنه: (الفقيه الوحيد من فقهاء عصره الذي تعاون مع الأمويين مختارًا راضيًا) (١). ولشدة ضغط المرض السياسي خفي عليه معرفة مولد الشافعي وهو (سنة ١٥٠ هـ) أي بعد زوال الدولة الأموية التي كان يتعاون معها بثمان عشر سنة!

وباحث آخر يفسر الظاهرية التي كان عليها (ابن حزم) بأنها موقف سياسي اتخذه ابن حزم لأجل أن الدولة الأموية بالأندلس تحتاج لمشروع يناهض المشروع الثقافي لخصميها (العباسي) و (العبيدي) فجاءت بابن حزم: (لينطق باسها ويحمل مشروعها الثقافي) (٢)، وقد أعماه التفسير السياسي عن إدراك الحقيقة التاريخية الواضحة من أن الدولة الأموية بالأندلس قامت سنة (١٣٨ هـ)؛ أي قبل مولد ابن حزم بما يقارب قرنين ونصف من الزمان (ولد سنة ٣٨٤ هـ) وسقطت (سنة ٤٢٢ هـ) وابن حزم ما يزال في عز شبابه (ت ٤٥٦ هـ)!


(١) الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية، نصر حامد أبو زيد، ص ١٦.
(٢) تكوين العقل العربي، لمحمد عابد الجابري، ص ٣٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>