للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومؤلف ثالث يتهم كعبًا الأحبار بأنه يروي الأخبار تملقًا لعبد الملك بن مروان (١) مع أن كعبًا قد توفي عام ٣٤ هـ قبل أن يتولى عبد الملك الخلافة بما يزيد عن ثلاثين سنة، وهي فضيحة يستحي منها أي باحث لم يبتلى بمرض التفسير السياسي!

وقد كنا نحسب مصطلح (إجماع أهل المدينة) عند المالكية دليلًا وأصلًا شرعيًا، وقد كنا غافلين عن البعد السياسي لهذا المصطلح فلم نعرف كونه سلاحًا سياسيًا وعصيانًا مدنيًا كما تفطن أحدهم له حين قال: (فلو أراد إمام دار الهجرة التقرب إلى السلطة السياسية لوجد الطريق إلى ذلك سهلًا، بإِسقاط هذا الأصل الذي انفرد به دون غيره، والذي يكفي لندرك بعده أن نرى فيه محاولة لإِضفاء الشرعية على إجماع أولئك الذين قاوموا طويلًا سلطتي دمشق وبغداد) (٢)!

وخذ من الأمثلة والقراءات العقلانية التي تحكم على الحديث إذا ورد في فضل أحد بأنه من وضع أنصاره، وإذا ورد في ذم أحد بأنه من وضع أعدائه، وأي نص له علاقة بالواقع فهو من صياغة الواقع له!

ومع ذلك، فالهوس بالتفسير السياسي لم يكن من إبداعهم وابتكارهم، بل هو صورة طبق الأصل من المدرسة الاستشراقية التي غرستها في أدمغة تلاميذها المقلدة فما عادوا يبصرون جيدًا من دونها، وقد أحسن العلامة (المعلمي) وصف بعض أسباب الخلل لديهم من أنهم: (إنما يعرفون الدواعي إلى الكذب ولا يعرفون معظم الموانع منها) (٣) فهؤلاء الناس يعرفون الدواعي لتأثير السياسة من جهة قوة السلطان ورغبة الناس في التملق إليه لكنهم لا يعرفون الموانع التي تحول دون تأثير


(١) السلطة في الإسلام، لعبد الجواد ياسين، ص ٢٧٤.
(٢) الفكر الأصولي وإشكالية السلطة العلمية في الإسلام، لعبد المجيد الصغير، ص ٢٣٥.
(٣) التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل، لعبد الرحمن المعلمي: ١/ ٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>