السياسة كمثل ما عليه العلماء من الديانة والعدالة، ونفرتهم من الكذب، وما جرى من صيانة للعلم بالرواية والتدوين والجرح والتعديل، وهو ما يجعل تأثير السياسة فيها مستحيلًا.
فحقيقة الأمر أن كثيرًا من القوم إنما يعبِّرون عما يجدونه في نفوسهم، فإذا شاهدوا تأثير السياسة على تغيير قناعاتهم ومذاهبهم ظنُّوا أن غيرهم لن يكون أحسن حالًا منهم، مع كثافة جهلٍ تحول دون فهمهم لحال التراث والشريعة التي يريدون تقديم تفسير لها، للحدِّ الذي يقرر فيهم أحدهم: (لقد كان القائمون بجمع الروايات "النصوص" من المحدثين هم أنفسهم الفقهاء الذين يمارسون اللحظة ذاتها، عملية التدوين النصي وعملية التنظير الفقهي وفي ظل هذا الوضع لا يؤمن من التداخل والقلب بين التشريع والتفسير) (١)، فهو يتصور أن الفقهاء لم يكونوا يفرقون بين أقوالهم وبين أقوال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيمكن للفقيه أن تختلط عليه فيجعل قوله هو قول الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- من حيث لا يشعر! فهذا التصور الظريف في فهم التراث الإسلامي يفسر لك سر تضخم هذا الوهم في رؤوسهم.
هذا (التفسير السياسي) لا يقوم على أي إثبات أو برهنة علمية، فطريقتهم تقوم على ربط أي حكم أو نص شرعي بالسياسة من دون أي دلائل قاطعة؛ وإنما لأنه يشكُّ -أو يريد أن يشك بالأصح- يبدأ في البحث عن أي مؤثر سياسي من دون أي يقدم على ذلك أي برهنة، وهذه الطريقة في إنكار الحقائق والطعن في الشرائع بمحض الأوهام ليست مبتكرة لهم؛ فهي طريقة قديمة في التعامل مع محكمات الشريعة، فهذا أحد المبتدعة القدامى يدَّعي أن الزنادقة قد دسُّوا على