وحين يكون الأصل هو (النصّ) فإن ذاك يستدعي البحث عنه وإشهاره وأن تكون دائرة البحث فيه وحوله، ولو حصل خلاف واجتهاد وتأويل له فإنه منطلق من النص، وهو تطبيق لأمر اللَّه -تعالى-: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}[النساء: ٥٩]، وأما حين يكون الخلاف بحد ذاته حجة وعذرًا فإن هذا في النهاية سيؤدي إلى هجران النصوص وإضعاف مكانتها في النفوس، وهو ما دفع الحافظ ابن عبد البر ليقرر بوضوح أنَّ:(الاختلاف ليس بحجة عند أحد عَلِمْتُه من فقهاء الأمة، إلا من لا بصر له ولا معرفة عنده ولا حجَّة في قوله)(١).
الملف الخامس: التسامح مع الانحرافات العقدية: وهو موضوع خارج عن حوار (التسامح الفقهي) كلَّه؛ لأن الخلافات الفقهية تدنو من النصوص ولا تصادم أصول الشريعة وقطعياتها بخلاف الظاهرة الفكرية المنحوفة التي تترجمها (الانحرافات والمذاهب العقدية)، غير أن بعض الناس يسعى لاستغلال (التسامح الفقهي) لتهوين الانحرافات العقدية في النفوس: إما بجعلها اجتهادات بشرية قابلة للاجتهاد حيث لا وجود لمن يملك الحقيقة المطلقة، أو باعتبار أنَّ هؤلاء قد يكونوا مجتهدين ومعذورين فيبدأ في خلط ملفِّ (عذر القائل) بملف (الموقف من القول) أو يخلط فيها ملف (أخلاقيات الحوار) و (إعطاء الناس حقوقهم) وغيرها من الملفات التي تربك بعض الناس فيغفل بسببها عن استحضار أن هذه منكرات مصادمة للشريعة ومخالفة لسبيل المؤمنين.
ظاهرة (اختلاط الملفات) و (دمج الموضوعات) ليست مختصة بالتسامح