للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في الشريعة، ولا يلزم من الإنكار تأثيم المخالف أو التضييق على اجتهاده؛ فهذا باب فقهي وذاك باب فقهي آخر؛ فالإنكار في كل المسائل أو بطريقة تفتقد للحكمة أو من دون مراعاة لحال المخالف، كلُّها مخالفة للتسامح الفقهي الصحيح، كما أن التسامح الفقهي لا يلغي مبدأ الإنكار في مسائل الخلاف.

الملف الرابع: الاختيار بين المذاهب والأقوال الفقهية، وهو تسامح فقهي يجب أن يبقى وسطًا بين طرفين: طرف (إلزام الناس بقول واحد) ورفض أي اجتهادات وأقوال أخرى لمذاهب فقهية معتبَرة، خاصة في المسائل الاجتهادية القابلة للنظر والخلاف. وطرف (تخيير الناس بين الأقوال) وجعلها في متناولهم ليختاروا منها أسهلها وأيسرها وأقربها لنفوسهم ومقتضيات عصرهم، فلا هذا ولا ذا، فالقادر على النظر في الأدلة والمسائل لا يجوز له أن يتجاوز القول الفقهي الذي يراه راجحًا، وأما من لا يستطيع فيستفتي من يثق في دينه وعلمه من دون أن يتخيَّر من الأقوال والمذاهب ما يشاء؛ لأن هذا من الترخُّص الذي أجمع الفقهاء على ذمه وعيبه لمنافاته لأصل التكليف (١)؛ لأن المسلم متعبَّد باتباع النص ما استطاع، وجعل الأقوال في سلَّةٍ يختار منها ما يشاء يجعله متبعًا لشهوته وهوى نفسه، كما أن هذا التسامح يجب أن لا يجعل الأصل في المسائل الخلافية العفو والتجاوز وأنَّ المسألة ما دام فيها خلاف فالأمر واسع (فالمختلف في حرمته لا يكون حلالًا) وهو معلوم من دين الإسلام بالضرورة كما يقرر شيخ الإسلام ابن تيمية (٢).


(١) لمعرفة بعض من نقل الإجماع هنا من أهل العلم راجع: ابن حزم في مراتب الإجماع ص ٢٧١، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ٢/ ١١٩، وابن القطان في الإقناع في مسائل الإجماع ١/ ٦٥، وابن حمدان الحنبلي في صفة الفتوى والمفتي والمستفتي، ص ٤١.
(٢) ذكر ذلك في مجموع الفتاوى: ٢٠/ ٢٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>