وظاهرة القارئ المطلع على هذه الحوارات فضولًا وثقافة ثم ما يلبثا بعد هذا إلا قليلًا حتى ينقلب بعضهم على عقبيه أو يكون قد تأثر (كثيرًا) وتشرَّب عددًا من الأصول والمقدمات الفاسدة.
سأقف مع سبب واحد يفسر واقع هذه المشكلة، وسأدع بقية الأسباب المؤثرة لمقام آخر، فلن أتحدث عن ضعف جانب العبادة والاتصال باللَّه، أو عن إشكالية تهاون المسلم في تحريك دفعات الشبهات على قلبه من دون أن يشد حبل قلبه باللَّه، ولا عن سبب العجب والثقة والاتكال على النفس الذي يضعف افتقار العبد إلى مولاه، ولا عن ضعف التأصيل الشرعي، ولا عن التفرد والاستقلال الموهوم الذي يجعل أمثال هؤلاء يأنفون عن سؤال أهل العلم والرجوع إليهم، بل لربما ظن -لعظم الوهم الذي يسكنه- أنه يخوض غمارًا لا ينقذ الإسلام ولا يحفظ أصول الدين إلا رأيه وفكره.
السبب الذي أريده يتعلق بواقعة (التسليم بالمقدمات والأصول الفاسدة) فيدخل المحاور والقارئ هذه الحوارات، وفي غمار معمعة قضاياها وأمواج إشكالاتها يتخذ لنفسه عددًا من الأصول والقضايا الثابتة يدافع عنها ويجيب عن الشبهات بناءً عليها، وقد غفل عن أن هذه الأصول والقضايا لم تأته من قراءة تدبُّرية لكتاب اللَّه ولا من جلوس طويل على صحيح السنة ولا من دراسة بحثية لكتب الفقه؛ وإنما جزم بها من خلال هذه الحوارات وحسم أمرها بعد إلزام من هنا أو ورطة هناك.
هي مشكلة قديمة، كثيرًا ما يبتلى بها من يقرر أصوله ومحكماته من خلال هذه الحوارات، وقد كانت سببًا ظاهرًا لبذور الانحراف العقدي الذي مزق أمة