للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- من قديم، فرأس المنحرفين (الجهم بن صفوان) لم يقرر عقيدته في نفي أسماء اللَّه وصفاته إلا بعد نقاشٍ مع فرقة وثنية أحرجته بأنه لا يستطيع أن يحس خالقه ولا يشمه ولا يسمع صوته فهو إذن غير موجود، فحيَّرته هذه الشبهة ومكث أيامًا يبحث عن جواب مريحٍ لها، ثم خرج إليهم فأجابهم بأن وجود اللَّه مثل وجود الروح التي في جسد الإنسان، يقرُّ الإنسان بوجودها لكنه لا يراها ولا يسمع صوتها، ومن خلال هذا الدليل الذي قرره ليتخلص من ورطته مع الوثنيين بنى تصوُّره عن اللَّه فنفى عنه الصفات التي أخبرنا بها عن نفسه (١).

وقد بذلت الفرق الكلامية جهدًا عظيمًا في سبيل إقناع الملاحدة بوجود اللَّه فجاؤوا بالدليل العقلي الشهير (دليل حدوث الأعراض والأجسام) وجعلوا إثبات اللَّه لا يقوم إلا به، فحطموا به وعبثوا بكثير من النصوص والأصول الشرعية.

لاحظ أنهم لم يكونوا يرونها أصولًا فاسدة، أبدًا، بل كانت عندهم دليلًا شرعيًا وأصلًا ضروريًا لحفظ الإسلام وصدِّ هجمات أعدائه، وهو ما زادهم ثقة وتمسكًا بهذه الأصول ورفضًا لأي قاعدة أو دليل يخالفها؛ لأنه سيكون مضرًا بالإسلام حسب رأيهم.

وإذا أردنا أن نتخفف من عرض الإشكالات القديمة ونأتي لواقع إشكالاتنا المعاصرة فسنجد المشكلة نفسها حاضرة لم تتغير، فمجموعة من الفضلاء يدخلون في حوارات وصدامات فكرية مختلفة وعلى أصعدة متعددة، يضطر بسبب هذه الحوارات تبني عدد من القضايا والمقدمات التي يراها مرتكزات أساسية للدفاع عن نصوص الشريعة وحفظ أحكامها، ويدعمها بعدد من الأدلة الشرعية، لكنه قد


(١) انظر: الرد على الجهمية والزنادقة للإمام أحمد بن حنبل، ص ٩٣ - ٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>