يغرق في العناية بالدلائل العقلية فيكون جُلُّ تفكيره وحديثه في محاولة الإبداع في استخراج الدلائل التي تقنع المخالف -وهو مطلوب حسن- لكنه يغفل عن أثر الوعظ في هداية الناس.
٣ - الاعتدال في تقرير وتقديم الدلائل العقلية: فدورها أن تبين الحق للشخص وليس أن تدخله في الإسلام، وحين لا ينشرح صدر الشخص للإسلام فإنه قادر على المجادلة وإثارة الملفات المختلفة إلى ما لا نهاية، وكثيرًا ما تختفي الأهواء والأمراض والحظوظ الشخصية في قوالب الدلائل العقلية التي يقدِّمها المجادل، فتكون غلافًا لأهواء النفوس من حيث يشعر أو لا يشعر؛ ولهذا يكثر في خطاب القرآن تسمية حجج الكفار بالأهواء {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ}[البقرة: ١٤٥]، بل كلُّ من يُعرِض عن اتباع الرسول فهو متبع لهواه:{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ}[القصص: ٥٠]، وحين يكون بعض الناس بحاجة للدلائل العقلية المعقدة والمركَّبة والدقيقة فيجب أن يكون ذلك بحسب الحاجة لأن أكثر الناس في غنى عنها.
٤ - مراعاة النفوس التي يُعرَف من حالها الصدق والبذل وحبُّ الخير للناس أو الضَّعَفَة من الناس؛ فمثل هؤلاء أقرب لأن تكون نفوسهم مهيَّأة لقبول الحق:{وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ}[الأنفال: ٢٣]؛ لأن سوء بعض الناس يكون سببًا لأن يحرمه اللَّه من الهداية فكما قال -تعالى-: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}[الصف: ٥]، حتى لو جاءتهم الدلائل العقلية الواضحة البينة فإنهم لا يستفيدون ولا ينتفعون، بل قد يزيدهم سماع الحق ضلالًا وفسادًا كما قال -تعالى-: {وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا