المسلمين، بل وراء ذلك أسباب عدة تفتح لذهن الداعية فضاءً واسعًا للتفكير في كيفية الدعوة إلى الإسلام؛ فلا يغلق ذهنه على صورة واحدة تتضخم في الذهن بسبب عوامل خارجية، وهذا قطعًا ليس تقليلًا من الدلائل العقلية أو تهوينًا من قدرها، بل إن القرآن مليء بالبرهنة والاستدلال العقلي واستحثاث أهل العقول ونعي على أهل الشرك تعطيلهم لعقولهم.
إن حضور هذه الحقائق يفتح أهام ناظرينا النتائج التالية:
١ - أن الخصومة الحقيقية والمشكلة الأكبر التي تصدُّ الناس عن الإسلام ليست الدلائل العقلية بقدر ما هي (الأمراض) التي تسكن النفوس: من كِبْر وحسد وحب للمال والجاه أو التعصب لما عليه المجتمع والإرث أو الإعراض وحب الدنيا، ولعل هذا يفسر أن أكثر الداخلين في الإسلام ينقادون إليه من دون حاجة لخطاب ذو مواصفات عالية في البرهنة والعقلانية.
٢ - أهمية العناية بالوسائل التي تعالج أمراض النفوس وأدواءها: فالوعظ والترغيب والترهيب والتذكير بالبعث والمصير له دور عظيم في دخول الناس في دين اللَّه أفواجًا، وسيلفت نظرك حين تقرأ دلائل القرآن أن الخطاب الوعظي حاضر بقوة في مجادلة الكفَّار، فتأمل في الآيات التالية:{فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}[البقرة: ٢٤]، وقوله -سبحانه-: {وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ}[النساء: ١٧١]، وقوله:{وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[المائدة: ٧٣]، بل إن من حكمة اللَّه في إرسال الآيات:{وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا}[الإسراء: ٥٩]، فهذا خطاب اللَّه الذي خلق هذه الأنفس ويعلم ما تحتاج إليه، وهو معنى يغفل عنه كثيرًا من