هي أن الشخص يخلط بين الحكم الشرعي في حال (الاختيار والسعة والقدرة) والحكم الشرعي في حال (الضرورة والحرج أو عدم الاستطاعة) فيتحدث عن الحكم الشرعي في حال الاختيار، ويستدل لذلك بأحوال الضرورة، فيتعامل معها على أنها درجة واحدة، بينما هما في الحقيقة درجتان متباينتان {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}[الأنعام: ١١٩].
إنها ظاهرة الخلط بين (الأصل) و (الاستثناء)، تتشابك معها القضايا في ذهن المتحدث فيُدخِل في أحكام الشريعة أمورًا ويبرهن عليها ويكون دليله على ذلك النظر في حالات الضرورة. والمنهجية الصحيحة أن يقرر أولًا الحكم الشرعي الأصلي الذي يريده اللَّه ويريده النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثم يتحدث بعدها عما يطرأ في الواقع من حالات ضرورة أو حاجة معيَّنة تعطي نوعًا من الاستثناء للحكم، لا أن تتداخل فلا يعلم القارئ هل هو أمام حكم (استثنائي خاص) أم حكم (شرعي دائم)؟
فحين يتكلم الشخص أو يؤلف عن (الحريات في الدولة الإسلامية) فيجب عليه أولًا أن يوضح حدود الحريات في الشريعة بحسب دلائل الشريعة وأحكامها، ثم يقرر كيفية تطبيق ذلك في الواقع لا أن يكون الواقع هو الذي يفرض عليه الحكم، ويكون دوره بعدها هو في تتبع الشواهد والنصوص المساندة.
هل معنى هذا أن لا يكون للواقع أي تأثير على الحكم؟
لا. . . قطعًا، فحين يجد الباحث أن هذا القول لا يمكن تطبيقه في الواقع فيجب الاجتهاد وبذل الوسع في اختيار الموقف المناسب، فيكون ثَمَّ درجتان في