النظر، نظر في الحكم الشرعي ابتداءً، ونظر في حالات استثنائية طارئة للحكم.
إن حال من يخلط بينهما كحال من يُسأل عن حكم السجود للأصنام؟ فيقول: جائز؛ لأن عدم سجودك سيؤدي بك إلى الهلاك! أو يقول عن شرب الخمر: إنه مباح؛ لأن من لم يتداوَ به فسيموت! أو يكتب: إن سرقة الماء جائزة لئلا تموت عطشًا! فعلى منوال هذه الأمثلة الظريفة تتضح إشكالية دمج الأصل والاستثناء في حالة واحدة.
وأكثر ما تكون هذه الظاهرة حضورًا في موضوعات (النظام السياسي)؛ حيث يقف بصرك متحيرًا أمام بعض التقريرات الفقهية، فلا تدري هل الحكم فيها متعلق ببيان الحكم الشرعي ابتداءً أم هو حالة ضرورة؟ لأن الباحث يبدأ فيها بذكر الحكم، ثم يسوق الدلائل والبراهين المتعلقة بالضرورات!
ومن الأمثلة الواضحة هنا: أن من ينظر في فلسفة الحريات في الإسلام فسيجد أن حرية نشر الكفر والضلال لا يمكن أن تكون مكفولة في النظام السياسي، وهو قول خارج عن التفكير الفقهي بتاتًا؛ بل قد قال شيخ الإسلام ابن تيمية فيه:(وإظهار الطعن في الدين لا يجوز للإِمام أن يعاهدهم مع وجوده منهم، أعني مع كونهم ممكنين من فعله إذا أرادوا. وهذا مما أجمع المسلمون عليه، ولهذا بعضهم يعاقِبون على فعله بالتعزير. وأكثرهم يعاقِبون عليه بالقتل، وهو مما لا يشك فيه مسلم، ومن شك فيه فقد خلع رِبقة الإِيلام من عنقه)(١).
فالقول بترك أهل الذمة يطعنون في الدين يعتبر ردَّة عن الإسلام في نظر شيخ الإسلام ابن تيمية، وما علم -رحمه اللَّه- أن هذا القول سيصبح في