زماننا رأيًا فقهيًا يُستَدَل له بنصوص الكتاب والسنة، والحجة الثابتة هي عدم الاستطاعة (١).
ما المشكلة في هذا؟
هب أنهم خلطوا بين (الأصل) و (الضرورة) في بيان الأحكام الشرعية فكان ماذا؟
في هذا إشكالات عدة:
الأول: تحريف المفاهيم الشرعية؛ فالضرورة حالة استثنائية في واقعة معينة وليست هي الحكم الشرعي ابتداء، وحين يخلط الشخص بينهما فإنه يمارس تحريفًا للشريعة فيقرر من الشريعة ما ليس منها، ويتقوَّل على اللَّه بلا علم ويُخشَى عليه من الدخول في قوله -تعالى-: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٣)} [الأعراف: ٣٣].
الثاني: تغيير مسار الإصلاح، فبدلًا من قيام المصلح الإسلامي بمهمة تحريك الناس ودفعهم نحو سيادة الشريعة التي يصلح بها شأن دينهم ودنياهم، ينقلب الحال ليكون الدور قائمًا على محاولة تخريج الشريعة وإدراجها ضمن الواقع المتاح، فيكون الحاكم في قضايانا هو (الممكن والمتاح) وليس (مرجعية الشريعة).
فحين تسود مفاهيم (الضرورة) و (الاستثناء) حتى تكون لدى الناس هي
(١) ذهب جمع من المعاصرين إلى أن الحرية في النظام السياسي الإسلامي تتسع لكافة الآراء مهما كانت مصادمة للشريعة أو قادحة فيها، انظر -على سبيل المثال-: الحريات العامة في الدولة الإسلامية للدكتور راشد الغنوشي: ١/ ٧٨.