إلى في أشياء قليلةٍ. وهذا متعذر في ولد آدم إذا كانت الجبلة على الخلاف وقلة الموافقة.
فأما أن يعمل الرجل شيئاً من كتابٍ، ثم يتمّه الآخر، فهو أسوغ في المعقول من أن يجتمع عليه الرجلان. والبغداديون يحكون أن أبا سعيد السيرافي عمل من كتابه المعروف بالمقنع أو الإقناع إلى باب التصغير، ثم توفي وأتّمه بعده ولده أبو محمد.
وقد يجوز مثل هذا، وليس عندهم فيه ريب، وحكى لي الثقة أن أبا علي الفارسي كان يذكر أن أبا بكر بن السراج عمل من (الموجز) النصف الأول لرجل بزاز، ثم تقدم إلى أبي علي بإتمامه، وهذا لا يقال أنه من إنشاء أبي علي لأن الموضوع من (الموجز) ، هو منقول من كلام ابن السراج في (الأصول) وفي (الجمل) ، فكأن أبا علي جاء به على سبيل النسخ، لا أنه ابتدع شيئاً منه عنده.
والذين رووا ديوان أبي الطيب يحكون عنه أنه ولد سنة ثلاث وثلثمائة. وكان طلوعه إلى الشام سنة إحدى وعشرين، فأقام فيه برهة ثم عاد إلى العراق ولم تطل مدته هنالك. والدليل على صحة هذا الخبر أن مدائحه في صباه إنما هي في أهل الشام إلا قوله:
كفي أراني ويك لومك ألوما
وأما شكيته أهل الزمان إليه، فإنه سلك في ذلك منهاج المتقدمين، وقد كثر المقال في ذم الدهر حتى جاء في الحديث:" لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " وقد عرف معنى هذا الكلام، وأن باطنه ليس كظاهره، إذ كان الأنبياء عليهم السلام، لم يذهب أحد منهم إلى أن الدهر هو الخالق، ولا المعبود.
وقد جاء في الكتاب الكريم:" وما يهلكنا إلا الدَّهر " وقول بعض النّاس: الزمان حركة الفلك، لفظ لا حقيقة له. وفي كتاب سيبويه ما يدل على