للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جالسٍ على باب مغارةٍ، فيسلِّم عليه فيحسن الرَّدَّ ويقول: ما جاء بك يا إنسيُّ؟ إنَّك بخيرٍ لعسيّ، مالك من القوم سيّ! فيقول: سمعت أنَّكم جنٌّ مؤمنون فجئت ألتمس عندكم أخبار الجنَّان، وما لعلَّه لديكم من أشعار المردة.

فيقول ذلك الشيخ: لقد أصبت العالم ببجدة الأمر، ومن هو منه كالقمر من الهالة لا كالحاقن من الإهالة، فسل عمّا بدا لك.

فيقول: ما أسمك أيّها الشيخ؟ فيقول: أنا الخيثعرر أحد بني الشِّيصبان، ولسنا من ولد إبليس ولكنَّا من الجنّ الذين كانوا يسكنون الأرض قبل ولد آدم، صلّى الله عليه.

فيقول: أخبرني عن أشعار الجنِّ، فقد جمع منها المعروف بالمرزبانيّ قطعةً صالحة. فيقول ذلك الشيخ: إنّما ذلك هذيانٌ لا معتمد عليه، وهل يعرف البشر من النَّظيم إلاّ كما تعرف البقر من علم الهيئة ومساحة الأرض؟ وإنَّما لهم خمسة عشر جنساً من الموزون قلَّ ما يعدوها القائلون، وإنَّ لنا لآلاف أوزانٍ ما سمع بها الإنس. وإنَّما كانت تخطر بهم أطيفالٌ منَّا عارمون فتنفث إليهم مقدار الضُّوازة من أراك نعمان. ولقد نظمت الرّجز والقصيد قبل أن يخلق الله آدم بكورٍ أن كورين. وقد بلغني أنّكم معشر الإنس تلهجون بقصيدة امريء القيس:

قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزل

آداب الجنَّ

تحفِّظونها الحزاورة في المكاتب، وإن شئت أمليتك ألف كلمةٍ على هذا الوزن على مثل: منزل وحومل، وألفاً على ذلك القبريّ يجيء على منزل وحومل، وألفاً على منزلاً وحوملاً، وألفاً على: منزله وحومله، وألفاً على: منزله وحومله، وألفاً على: منزله وحومله. وكلُّ ذلك لشاعرٍ منَّا هلك وهو كافرٌ، وهو

<<  <   >  >>