للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مغوثةً، ولا ظننته فهم ما أقول، فلمّا استقصيت الغرض فما أنجحت، دعوت بأعلى صوتي: يا رضوان، يا أمين الجبَّار الأعظم على لفراديس، ألم تسمع ندائي بك واستغاثتي إليك؟ فقال: لقد سمعتك تذكر رضوان وما علمت ما مقصدك، فما الذي تطلب أيها المسكين؟ فأقول: أنا رجل لا صبر لي على اللواب أي العطش وقد استطلت مدة الحساب، ومعي صل بالتوبة، وهي للذنّوب كلّها ماحية، وقد مدحتك بأشعارٍ كثيرة ووسمتها باسمك. فقال: وما الأشعار؟ فإني لم أسمع بهذه الكلمة قطّ إلا الساعة. فقلت: الأشعار جمع شعرٍ، والشعر كلام موزون تقبله الغريزة على شرائط، إن زاد أو نقص أبانه الحسُّ، وكان أهل العاجلة يتقربّون به إلى الملوك والسادات، فجئت بشيء منه إليك لعلك تأذن لي بالدُّخول إلى الجنة في هذا الباب، فقد استطلت ما الناس فيه، وأنا ضعيف منين؛ ولا ريب أنّي ممن يرجو المغفرة، وتصحُّ له بمشيئة الله تعالى. فقال: إنك لغبين الرأي! أتأمل أن آذن لك بغير إذن من رب العزة؟ هيهات هيهات! وأنَّى لهم التناوش من مكان بعيد.

[مدح زفر]

فتركته وانصرفت بأملي إلى خازن آخر يقال له زفر، فعملت كلمةً ووسمتها باسمه في وزن قول لبيد:

تهنى ابنتاي أن يعيش أبوهما، ... وهل أنا إلاّ من ربيعة أو مضر

وقربت منه فأنشدتها، فكأني إنّما أخاطب ركوداً صمّاء، لأستنزل أبوداً عصماء. ولم أترك وزناً مقيّداً ولا مطلقاً يجوز أن يوسم بزفر إلا وسمته به، فما نجع ولا غيَّر. فقلت: رحمك الله! كنَّا في الدار الذاهبة نتقرّب إلى الرئيس والملك بالبيتين أو الثلاثة، فنجد عنده ما نحب، وقد نظمت فيك ما لو جمع لكان ديواناً، وكأنّك ما سمعت لي زجمةً أي كلمة، فقال: لا أشعر

<<  <   >  >>