بالذي حممت أي قصدت، وأحسب هذا الذي تجيئني به قرآن إبليس المارد، ولا ينفق على الملائكة، إنّما هو للجان وعلَّموه ولد آدم، فما بغيتك؟ فذكرت له ما أريد، فقال: والله ما أقدر على نفع ولا أملك لخلق من شفع، فمن أي الأمم أنت؟ فقلت: من أمة محمَّد بن عبد الله بن عبد المطَّلب. فقال: صدقت ذلك، نبي العرب، ومن تلك الجهة أتيتني بالقريض، لأنّ إبليس اللعين نفثه في إقليم العرب فتعلَّمه نساء ورجال. وقد وجب عليّ نصحك، فعليك بصاحبك لعلّه يتوصّل إلى ما ابتغيت.
فيئست ممّا عنده، فجعلت أتخلل العالم،
[حمزة بن عبد المطلب]
فإذا أنا برجل عليه نور يتلألأ، وحواليه رجال تأتلق منهم أنوار. فقلت: من هذا الرجل؟ فقيل: هذا حمزة بن عبد المطَّلب صريع وحشيٍّ، وهؤلاء الذين حوله من استشهد من المسلمين في أحدٍ. فقلت لنفسي الكذوب: الشّعر عند هذا أنفق منه خازن الجنان، لأنَّه شاعر، وإخوته شعراء، وكذلك أبوه وجدُّه، ولعلَّه ليس بينه وبين معدِّ بن عدنان إلا من قد نظم شيئاً من موزون، فعملت أبياتاً على منهج أبيات كعب بن مالكٍ التي رثى بها حمزة، وأوّلها:
صفية قومي ولا تعجزي، ... وبكّي النّساء على حمزة
وجئت حتى وليت منه فناديت: يا سيّد الشهداء، يا عمَّ رسول الله صلَّى الله عليه سلّم، يا ابن عبد المطَّلب! فلّما أقبل عليّ بوجهه أنشدته الأبيات. فقال: ويحك! أفي مثل هذا الموطن تجيئني بالمديح؟ أما سمعت الآية:" لكلِّ امرىء ٍمنهم يومئذ شأنٌ يغنيه " فقلت: بلى قد سمعتها، وسمعت ما بعدها:" وجوهٌ يومئذ سفرةٌ، ضاحكةٌ مستبشرةٌ، ووجوهٌ يومئذٍ عليها غبرةٌ، ترهقها قترةٌ، أولئك هم الكفرة الفجرة ". فقال: إنَّي لا أقدر على ما تطلب. ولكني أنفذ