أمكن من شعراء الخضرمة والإسلام، والذين أصلّوا كلام العرب، وجعلوه محفوظاً في الكتب، وغيرهم ممّن يتأنس بقليل الأدب. فيخطر له أن تكون كمآدب الدار العاجلة، إذ كان البارىء، جلَّت عظمته، لا يعجزه أن يأتيهم بجميع الأغراض، من غير كلفةٍ ولا إبطاءٍ، فتنشأ أرحاءٌ على الكوثر، تجعجع لطحن برٍّ من برّ الجنّة، وإنَّه لأفضل من برِّ الهذليِّ الذي قال فيه:
لا درّ درِّي إن أطعمت رائدهم
قرف الحتيِّ وعندي البرُّ مكنوز بمقدارٍ تفضل به السموات والأرضين، فيقترح، أمضى القادر له اقتراحه، أن تحضر بين يديه جوارٍ من الحور العين، يعتملن بأرحاء اليد: فرحىً من درٍّ، ورحىً من عسجدٍ، وأرحاءٌ لم ير أهل العاجلة شيئاً من شكل جواهرهنّ. فإذا نظر إليهنّ، حمد الله سبحانه على ما منح، وذكر قول الرّاجز:
أعددت للضَّيف وللجيران ... جريتين تتعاوران
لا ترأمان وهما ظئران يصف رحى اليد.
ويبتسم إليهنَّ ويقول: اطحنَّ شزراً وبتّاً. فيقلن: ما شزرٌ وما بتّ؟ فيقول: الشَّزر على أيمانكنَّ، والبتُّ على شمائلكنَّ، أما سمعتنَّ قول القائل:
ونطحن بالرَّحى شزراً وبتّاً ... ولو نعطى المغازل ما عيينا
ويقال: إن هذا الشَّعر لرجل أسر فكتب إلى قومه بذلك.
ويحبس في صدره، عمَّره الله بالسُّرور، أرحاءٌ تدور فيها البهائم، فيمثل بين يديه ما شاء الله من البيوت، فيها أحجارٌ من جواهر الجنّة، تدير بعضها جمالٌ تسوم في عضاه الفردوس، وأينقٌ لا تعطف على الحيران، وصنوفٌ من البغال والبقر وبنات