للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كنت في الدار العاجلة أعرف بحمدونة، وأسكن في باب العراق بحلب وأبي صاحب رحىً، وتزوَّجني رجلٌ يبيع السَّقط فطلَّقني لرائحةٍ كرهها من فيَّ، وكنت من أقبح نساء حلب، فلمَّا عرفت ذلك زهدت في الدنيا الغرَّارة، وتوفَّرت على العبادة، وأكلت من مغزلي ومردني، فصيَّرني ذلك إلى ما ترى.

وتقول الأخرى: أتدري من أنا يا عليَّ بن منصور؟ أنا توفيق السَّوداء التي كانت تخدم في دار العلم ببغداد على زمان أبي منصورٍ محمَّد بن عليٍّ الخازن وكنت أخرج الكتب إلى النُّساخ.

فيقول: لا إله إلاّ الله، لقد كنت سوداء فصرت أنصع من الكافور، وإن شئت القافور. فتقول: أتعجب من هذا، والشاعر يقول لبعض المخلوقين:

لو أنَّ من نوره مثقال خردلةٍ

في السُّود كلِّهم، لأبيضّت السُّود ويمرُّ ملكٌ من الملائكة، فيقول: يا عبد الله، أخبرني عن الحور العين، أليس في الكتاب الكريم: " إنَّا أنشأناهنَّ إنشاءً، فجعلناهنَّ أبكاراً، عرباً أتراباً، لأصحاب اليمين ". فيقول الملك: هنَّ على ضربين: ضربٌ خلقه الله في الجنَّة لم يعرف غيرها، وضربٌ نقله الله من الدار العاجلة لمَّا عمل الأعمال الصالحة. فيقول، وقد فكر ممَّا سمع، أي عجب: فأين اللّواتي لم يكنَّ في الدار الفانية؟ وكيف يتميَّزن من غيرهنَّ؟ فيقول الملك: قف أثري لترى البديء من قدره الله. فيتبعه، فيجيء به إلى حدائق لا يعرف كنهها إلاّ الله، فيقول الملك: خذ ثمرةً من هذا الثمر فاكسرها فإنَّ هذا الشجر يعرف بشجر الحور.

فيأخذ سفرجلةً، أو رمَّانةً، أو تفَّاحةً، أو ما شاء الله من الثمار، فيكسرها، فتخرج منها جاريةٌ حوراء عيناء تبرق لحسنها حوريّات الجنان، فتقول: من

<<  <   >  >>