قرنت بأزهر في الشَّمال مفدَّم وإنِّي إذا ذكرت قولك: هل غادر الشُّعراء من متردَّم لأقول: إنَّما قيل ذلك وديوان الشِّعر قليلٌ محفوظٌ، فأمَّا الآن وقد كثرت على الصائد ضباب، وعرفت مكان الجهل الرِّباب. ولو سمعت ما قيل بعد مبعث النّبي، صلى الله عليه وسلّم، لعتبت نفسك على ما قلت، وعلمت أنّ الأمر كما قال حبيب بن أوسٍ:
فلو كان يفنى الشِّعر أفناه ما قرت
حياضك منه في العصور الذّواهب
ولكنَّه صوب العقول إذا انجلت
سحائب منه، أعقبت بسحائب فيقول: وما حبيبكم هذا؟ فيقول: شاعرٌ ظهر في الإسلام. وينشده شيئاً من نظمه: فيقول: أمّاالأصل فعربيٌّ، وأمّا الفرع فنطق به غبيٌّ، وليس هذا المذهب علىما تعرف قبائل العرب. فيقول، وهو ضاحكٌ مستبشرٌ: إنَّما ينكر عليه المستعار، وقد جاءت العارية في أشعار كثيرٍ من المتقدِّمين، إلا إنها لاتجتمع كاجتماعها فيما نظمه حبيب بن أوسٍ.
فما أردت بالمشوف المعلم؟ الدِّينار أم الرِّداء؟ فيقول: أيُّ الوجهين أردت، فهو حسنٌ ولا ينتقض.
فيقول، جعل الله سمعه مستودعاً كل الصالحات: لقد شقَّ عليَّ دخول مثلك إلى الجحيم، وكأنَّ أذني مصغيةٌ إلى قينات الفسطاط وهي تغرِّد بقولك:
أمن سميَّة دمع العين تذريف؟ ... لو أنَّ ذا منك قبل اليوم معروف
تجلِّلتني إذ أهوى العصا قبلي، ... كأنَّها رشأٌ في البيت مطروف
العبد عبدكم، والمال مالكم ... فهل عذابك عنِّي اليوم مصروف