عبد السلام البصري على أبي رياش وقراءة الجرجاني على عبد السلام لم تتعد الثلاثين عامًا. هذا فضلًا عما أشرنا إليه سابقًا من أن أبا رياش والحسن بن بشر الآمدي هما الوحيدان اللذان أخذا الحماسة مشافهة عن أبي المطرف الأنطاكي، وعن طريقهما وصل اختيار الحماسة إلى جل العلماء الشراح الذين عنوا بشرح الحماسة.
ويتضح لنا من خاتمة الجرجاني في عمله أنه حمل ديوان الحماسة إلى الأندلس ضمن كتب قرأها على الشيوخ في بغداد، وقام بتصحيحها عليهم، وأن ديوان الحماسة ظل عنده فترة من الزمن حتى أعاد النظر فيه بعمل بعض التعليقات التي تتصل بشرح غريبة وبعض معانيه، وهذا واضح من قوله في هذه الخاتمة:"تكلفت بتصحيح هذا الكتاب وشرح غريبة ومعانيه بعد طول العهد به، وهو في الكتب التي قرأتها وصححتها، ولم آمن أن يقع فيه خلل فإن آفة العلم النسيان".
والحق أنه لم يتكلف فيه شرح كل غريبة، ولا شرح كل ما فيه من معان، وإنما عمله _كما بدا لنا_ مجرد تعليقات في مواضع متفرقة من الاختيار، جلها في شرح مفردات بعض الأبيات لا كلها، ويمكن أن نوجز ملاحظات قراءتنا له في الآتي: أولا: إن الشرح لا يدل على أن صاحبه قد أفاد من شروح سبقته في الحماسة، وإنما كل ما ورد في هذا الشأن أنه نقل في موضوعين فقط سماعًا عن عبد السلام البصري ذكر فيه قولين لأبي رياش، أحدهما في شرح اسم الفند الزماني، والآخر في شرح لفظة "حظباي" الواردة في بيت الفند الذي يقول فيه:
ولولا نبل عوض في حظباي وأوصالي
أما في غير هذين الموضعين فنحن لا نجد عنده إفادة من شارح للحماسة أو من عالم من علماء اللغة والأدب الذين رأيناهم يترددون كثيرًا في أعمال من درسنا شروحهم في تطبيق المناهج الخمسة.