[الفصل الثاني: في شرح الشعر وتطوره حتى ظهور شروح الحماسة]
١ - في شرح الشعر وتطوره
منذ أن وجد الشعر العربي كانت الحاجة إلى فهم ما استغلق منه، غير أن هذه الحاجة تختلف من عصر إلى عصر ومن بيئة إلى بيئة ففي العصر الأول عصر ما قبل الإسلام لم تكن الحاجة ملحة إلى شرح ما غمض من الشعر، بل لم تكن القبائل ترى فيما يقوله شعراؤها غامضًا، ذلك لأن الشاعر كان يعيش بين قومه، يشاركهم بيئة واحدة، ولغة واحدة، وثقافة واحدة، كما كانوا يعيشون معه الظروف الاجتماعية والنفسية التي تدفعه إلى قول الشعر، فإذا قال شعرًا لم يكن هناك حجاب زمني أو مكاني يستر عنهم ما يرمي إليه في هذا الشعر من غرض ومعنى، أو ما يطل عليهم فيه من إيحاء ومبنى، ومن ثم ندر أن يحتاج الشاعر بينهم إلى شرح شعره، ومن هذا النادر ما روي عن العجاج أن عمة جده رأت امرأ القيس وهو يشرب طلاء له مع علقمة بن عبدة فسألته عن معنى استغلق عليها في قوله:"كرك لأمين على نابل" من بيته:
نطعنهم سُلكي ومهلوجة كرك لأمين على نابل
فأجاب:"مررت بنابل وصاحبه يناوله الريش لؤامًا وظهارًا، فما رأيت اسرع منه ولا أحسن فشبهت به".