وبعد فلقد وقفنا على مناهج الشراح في الحماسة إلى نهاية القرن السادس الهجري، وطبقنا هذه المناهج على شروحهم، ما وصل منها كاملًا وغير كامل، ووقفنا بالدراسة على عناصر الشرح التي انتهوا إليها في ذلك الزمن، ومدى ما حققوه من عمل فيها.
لقد كانت رحلة طويلة مع أعمال هؤلاء الشراح، ودراسة ذات نظرة موازنة، متشعبة متلاحقة كشفت عن المتشابه والمختلف، وعن الإبداع والابتكار، والتقليد والإتباع، وعن الجهد الذي يدل على عمق وأعمال فكر، والذي يدل على سطحية وعدم نفاذ، وكشفت مع هذا كله عن مدى ما اضطلع به هؤلاء الشراح من ثقافات، وما تسلط عليهم من أهواء ونزعات، وما رموا إليه من أهداف وغايات.
ولقد كنا ونحن نلحظ هذه الجوانب التي كشفتها الدراسة وتتابع الأعمال بنظرتنا الموازنة نلحظ أيضًا ظواهر عامة كانت الدراسة والمتابعة تكشفها واحدة تلو الأخرى، حتى بلغت في الإحصاء ستًا ... وهي ظواهر تتصل بشرح شعر الحماسة، تمس المتن، والمادة التي خلفها الشراح في شروحهم، وتمس الشراح أنفسهم وما نقلوه في أعمالهم مما كان ينبغي التوجه إليه بالشرح والتفسير.
ولأنها ظواهر لا تتصل بشعر الحماسة وشرحه فحسب بل يتصل بعضها بشرح الشعر القديم عامة رأينا أن نفرد لها هذا الفصل، نناقشها ونبين وجهة نظرنا فيها، وهي كما بدت لنا يمكن تصنيفها في مجموعات ثلاث. الأولى تتصل بمتن الحماسة، وتضم ظاهرتين، إحداهما: ندرة رجوع الشراح إلى الأصول في رواية المتن،