[الفصل الأول: في اختيار أبي تمام للحماسة وصنيعه فيه]
١. اختيارات أبي تمام في الشعر:
ليس من عزمات هذه الدراسة أن تضطلع بالبحث في شاعرية أبي تمام أو شعره، فهذا أمر خاض فيه الرجال منذ عصر أبي بكر الصولي - ٢٣٥ هـ - وإلى عصرنا هذا الحديث، ولكن الذي يهمنا بحق - ونحن نبحث في اختيار أبي تمام للحماسة - هو أن نقف عند المكونات الثقافية التي كانت وراء شاعريته، والتي جعلت منه شاعرًا متفوقًا وزعيم مدرسة في تاريخ شعرنا العربي.
وكان من أهم هذه المكونات روايته لشعر من سبقوه في عصور الأدب الأولى أو شعر من عاشوا في عصره، وهي ميزة قد شارك فيها غيره من الشعراء، ليس في عصره فحسب بل في سائر العصور السابقة له أو التي جاءت بعده، غير أن الأمر بالنسبة له كان مختلفًا عنهم، فهؤلاء وإن شاركوه في هذه الميزة فإنهم قد اكتفوا برواية شعر السابقين بقصد التعلم والتثقف وصقل شاعريتهم والسمو بها إلى درجة أعلى في الفن الشعري. أما أبو تمام فقد تميز عنهم بأنه لم يقف عند حد الحفظ والرواية لشعر غيره بل كان - كما يقول الدكتور طه حسين -: "كثير النظر في الشعر ميالًا إلى الاختيار منه ... يعاشر الشعراء معاشرة متصلة، يقرؤهم ويطيل النظر فيهم، ويدل على قراءته لهم هذا الاختيار الذي يختاره في كتب يذيعها بين الناس".
ولم تكن اختياراته هذه ضربة لازب أو لمجرد جمع الشعر وروايته، وإنما