كانت عملًا قائمًا على الدراية والفهم الدقيق. يؤكد هذا ما نقله الصولي عن الحسن بن رجاء أنه قال: ما رأيت أحدًا قط أعلم يجيد الشعر قديمه وحديثه من أبي تمام.
غير أن هذه الاختيارات قد شابها شيء من الخلط والاضطراب في سبب تأليفها، والوقت الذي ألفت فيه فالتبريزي يحدثنا في مقدمة شرحه للحماسة أن أبا تمام " جاء من خراسان يريد العراق، فلما دخل همذان اغتنمه أبو الوفاء بن سلمة، فأنزله فأكرمه، فأصبح ذات يوم وقد وقع ثلج عظيم، قطع الطرق ومنع السابلة، فغم أبا تمام ذلك، وسرأبا الوافاء. فقال له: وطن نفسك على المقام فإن هذا الثلج لا ينحسر إلا بعد زمان، وأحضره خزانة كتبه فطالعها واشتغل بها وصنف، خمسة كتب في الشعر، منها كتاب الحماسة والوحشيات".
وبناء على هذه الرواية فإن أبا تام قد صنع خمسة كتب في الاختيارات الشعرية بهمذان، ولكني وجدت في مقدمة الشرح المرجح نسبته إلى زيد بن علي الفارسي رواية تقول بأن الكتب ثلاثة قال:"وأحضره أبو الوفاء كتبه فاختار أبو تمام منها هذا - يعني الحماسة - والوحشي وشيئًا من انتخاب" ثم أضاف أن هذه الكتب بقيت عند أبي الوفاء، لا يمكن أحدًا منها إلى أن مات، ووقعت في يد رجل من أهل دينور يعرف بأبي العواذل، فنسخ هذه الكتب الثلاثة، وحملها إلى أصبهان".
فهي إذا على هذه الرواية ثلاثة كتب لا خمسة كما ذكر التبريزي، على أننا نجد الآمدي في الموازنة يفيد بأن هذه الاختيارات ستة كتب، وقد عّرفها بقوله: "منها الاختيار القبائلي الأكبر، واختار فيه من كل قبيلة قصيدة، وقد مّر على يدي هذا الاختيار، ومنها اختيار آخر ترجمته القبائلي اختار فيه قطعًا من محاسن أشعار