فيكون كل أصل يخير ذلك إليه أو بمثابة مسألة اختلفت أقاويل الصحابة فيها كل ذلك حد جوابه بلا أدري من أجله وجب، ولأجل ذلك قال في لا أدري لأنه قد نقل عنه العذر ونقل عن غيره، وإذا اختلفت الروايات أذن ذلك بالتوقف وترك القطع، وكل مذهبه على هذا وقد شذت طائفة فقالوا إن جوابه بذلك ينفي ثبوت علم أصلا ولا يوجب علما قالوا وقد بين أحمد رحمة الله عليه هذا فقال في رواية الزهري لم يكن عند أبي عبد الله علم.
وقال الأثرم حيث سأله عن سالم أبي ليلى الكندي وعن الحجاج الأزدي فقال: لا أدري، ثم قال من يعرف أسماء هؤلاء، روى عن الواقدي والله أعلم. الحديث فقالوا: قد أبام أن يكون به عارفا. وقالوا أيضا: إذا قال لا أدري انتفى عنه العلم بكل حال. هذا فلا وجه، والذي قررناه على أصلنا فيه غنية ما ذكرناه من الأصول ففيها كفاية ثم بعد هذا لا يجوز أن يظن بأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، ولا بأبي عبد الله الشافعي أنهم إذا قالوا لا ندري، أو قال الشافعي قولين إذ ذلك ثمرة للجهل وأنهم لا يعلمون ما قاله السلف فيها وما تحتويه الأقاويل فيها وما قالته الصحابة الأخيار عليها، فعلمت بذلك أنه لا جائز أن يظن بأبي عبد الله ولا بغيره من الأئمة تقصير عن معرفة ما فيها وإنما الذي أوجب ما قالوه اتساعهم في العلم حتى أنهم وصلوا منه إلى معرفة الأشياء على عادة ما، حتى أنهم إلى السنن واختلافها وأقاويل الصحابة واختلافها وأوجه القياسات ومقابلاتها فأوجب ما إليه الضيق عن المسارعة إلى الأجوبة، وعلى هذا طريقة من اتسع فهمه أن يكثر تعبه ونصبه، ولذلك يوجب في كثير من الأشياء توقفه، فطوبى لمن وفقه الله تعالى في ذلك المقام وحرسه لا يزال على الصراط قدمه وترك بشهواته ما عنده أن السمع قد طاير من أسد الطريق عن الالتباس للأخذ بالاحتياط في علمه لنفسه والتوقف على إيجابه