ومن أدل الأشياء أنه قد أثبت في جلود الأنمار قال أكرهه افترى يقال لا تكتب ذلك تحريما.
ومن ذلك ما نقل عنه أنه قال: أكره الصلاة في القبور، وأكره أكل الحية والعقرب، وأكره النفخ في صلاته، والقراءة بألحان، كل يقول أكرهه لا خلاف عنده أن ذلك النهي، فإذا ثبت في هذه الأصول كلها علمت بذلك أن إطلاقات الأجوبة بالكراهية كالجوابات بالتحريم سواء.
فأما الذي اعتمدوا عليه من حديث الاستدلال فالأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلّي أكره لك ما أكره لنفسي، فذلك لنا، أو ظاهر ذلك مؤذن بالزجر والردع وأنه لا يقرأ في ركوعه ولا ساجد ولا بشعره عاقصا، فإذا ثبت أنه يوجب ذلك بطل الاستدلال.
جواب ثان - وهو إنا وإن قلنا إنه بالعقص للشعر لا يبطل صلاته فلسنا نخرج ذلك من أنا ننسبه إلى أنه قد تركعليه وهو إنا بالدليل علمنا صحة صلاته من فسادها.
وأما نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي أهله طروقا وأنه كره ذلك فلذلك أيضا لا يضرنا إذ ظاهر ذلك مستحق به الزجر عن الفعل وهو إنا بالدليل علمنا أن الأمر ندب، وهذا بأسره لا يضرنا إذ الظاهر إدخال الدليل عليه في نقله عن ظاهره ولا يكسب إسقاط يوجب القضاء بأصله.
وأما الجواب عن الذي قالوه من أن اللفظ الذي يستحق به التحريم كان بلفظ البتات، وأن الكراهية لا تعطي حظرا بذلك لا ينبغي له إذ ليس، وإن قلنا إن لفظ البتات، يقع التحريم مما يمنع أن يكون أيضا يقع بلفظ فيه تضعيف ألا ترى أنه إذا قال ينبغي أن تفعل كذا وكذا فذلك إذن بالأمر، وإن كان أدون في موقعه من لفظ البتات، فإذا ثبت هذا لم ينكر أن يكون لفظ الكراهية وإن كان أدون من غيره أن يقع البتات في الحكم به.
جواب ثان- وهو إنا قد قدمنا أن لفظ الكراهية هو من أحد أنحاء ما ثبت به الأحكام وقد بينا من حيث الأثر والنظر ما فيه غنية وبالله التوفيق.