يعني أن الواثق بالله لاعتقاده: أن الله تعالى إذا حكم بحكم وقضى أمراً فلا مرد لقضائه ولا معقب لحكمه فمن حكم الله له بحكم وقسم له بنصيب من الرزق أو الطاعة أو الحال أو العلم أو غيره: فلا بد من حصوله له ومن لم يقسم له ذلك: فلا سبيل له إليه ألبتة كما لا سبيل له إلى الطيران إلى السماء وحمل الجبال فبهذا القدر يقعد عن منازعة الأقسام فما كان له منها فسوف يأتيه على ضعفه وما لم يكن له منها فلن يناله بقوته.
الدرجة الثانية: درجة الأمن وهو أمن العبد من فوت المقدور وانتقاض المسطور فيظفر بروح الرضى وإلا فبعين اليقين وإلا فبلطف الصبر. يقول: من حصل له الإياس المذكور حصل له الأمن وذلك أن من تحقق بمعرفة الله وأن ما قضاه الله فلا مرد له ألبتة: أمن من فوت نصيبه الذي قسمه الله له وأمن أيضًا من نقصان ما كتبه الله له وسطره في الكتاب المسطور فيظفر بروح الرضى أي براحته ولذته نعيمه لأن صاحب الرضى في راحة ولذة وسرور كما جاء عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال:«الرضا أن لا ترضي الناس بسخط الله، ولا تحمد أحدًا على رزق الله، ولا تَلُم أحدًا على ما لم يؤتك الله، فإن الرزق لا يسوقه حرص حريصٍ، ولا يرده كراهية كارهٍ، والله بقسطه وعلمه جعل الرَّوح والفرح في اليقين والرِّضا، وجعل الهمَّ والحزن في الشَّكِّ والسَّخط»(١).
فإن لم يقدر العبد على روح الرضى ظفر بعين اليقين وهو قوة الإيمان ومباشرته للقلب بحيث لا يبقى بينه وبين العيان إلا كشف الحجاب المانع من مكافحة البصر فإن لم يحصل له هذا المقام حصل على لطف الصبر وما فيه من حسن العاقبة كما في الأثر المعروف: استطعت أن تعمل لله بالرضى مع اليقين فافعل فإن لم تستطع فإن في الصبر ما تكره النفس خيرًا كثيرًا.
الدرجة الثالثة: معاينة أزلية الحق ليتخلص من محن القصود وتكاليف الحمايات والتعريج على مدارج الوسائل قوله: معاينة أزلية الحق أي متى شهد
(١) شعب الإيمان، أحمد بن الحسين بن علي أبو بكر البيهقي ١/ ٣٨٤.