للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا} يقول: فاتخذ لهم في البحر طريقا يابسًا، واليَبَس واليَبْس: يجمع أيباس، تقول: وقفوا في أيباس من الأرض، واليَبْس المخفف: يجمع يبوس.

وأما قوله {لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى} فإنه يعني: لا تخاف من فرعون وجنوده أن يدركوك من ورائك، ولا تخشى غرقًا من بين يديك ووحلًا.

وقوله تعالى: {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ. وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى}.

يقول تعالى ذكره: فسرى موسى ببني إسرائيل إذ أوحينا إليه أن أسر بهم، فأتبعهم فرعون بجنوده حين قطعوا البحر، فغشي فرعون وجنده في اليم ما غشيهم، فغرقوا جميعًا {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} يقول جلّ ثناؤه: وجاوز فرعون بقومه عن سواء السبيل، وأخذ بهم على غير استقامة، وذلك أنه سلك بهم طريق أهل النار، بأمرهم بالكفر بالله، وتكذيب رسله {وَمَا هَدَى} يقول: وما سلك بهم الطريق المستقيم، وذلك أنه نهاهم عن اتباع رسول الله موسى عليه السلام، والتصديق به، فأطاعوه، فلم يهدهم بأمره إياهم بذلك، ولم يهتدوا بإتباعهم إياه» (١).

وقال الشوكاني رحمه الله: «هذا شروع في إنجاء بني إسرائيل وإهلاك عدوهم، {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا} أي اجعل لهم طريقًا، ومعنى {يَبَسًا}: يابسًا، وصف به الفاعل مبالغة، وذلك أن الله تعالى أيبس لهم تلك الطريق حتى لم يكن فيها ماء ولا طين {لَا تَخَافُ دَرَكًا} في محل نصب على الحال، أي آمنا من أن يدرككم العدو، أو صفة أخرى لطريق، والدرك اللحاق بهم من فرعون وجنوده. وقوله {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} أي


(١) جامع البيان في تأويل القرآن، محمد بن جرير الطبري، تحقيق: أحمد محمد شاكر، ١٨/ ٣٤٣.

<<  <   >  >>