علاهم وأصابهم ما علاهم وأصابهم، والتكرير للتعظيم والتهويل، وقال ابن الأنباري: غشيهم البعض الذي غشيهم؛ لأنه لم يغشهم كل ماء البحر، بل الذي غشيهم بعضه. فهذه العبارة للدلالة على أن الذي غرقهم بعض الماء، والأوَّل أولى لما يدل عليه من التهويل والتعظيم {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} أي أضلهم عن الرشد، وما هداهم إلى طريق النجاة، لأنه قدَّر أن موسى ومن معه لا يفوتونه لكونهم بين يديه يمشون في طريق يابسة، وبين أيديهم البحر، وفي قوله:{وَمَا هَدَى} تأكيد لإضلاله؛ لأن المضل قد يرشد من يضله في بعض الأمور» (١).
لقد أمر الله موسى عليه السلام حين أبى فرعون أن يرسل معه بني إسرائيل أن يسري بهم في الليل، وينقذهم من قبضة فرعون، دون أن يشعر بهم أحد، وأمره أن يتخذ أو يجعل لهم طريقًا يابسًا في وسط البحر، وذلك أن الله تعالى أيبس لهم تلك الطريق حتى لم يكن فيها ماء ولا طين. وأشعره بالأمان والنجاة، فقال له: أنت آمن لا تخاف أن يدركك وقومك فرعون وقومه، ولا تخشى أن يغرق البحر قومك، أو لا تخاف إدراك فرعون ولا تخشى الغرق بالماء.
والتعبير عن بني إسرائيل بكلمة بعبادي دليل على العناية بهم، وأنهم كانوا حينئذ قومًا صالحين، وإيماء بقبح صنع فرعون بهم من الاستعباد والظلم.
وتبعهم فرعون ومعه جنوده، فغشيهم من البحر ما غشيهم مما هو معروف ومشهور، فغرقوا جميعًا. وتكرار غَشِيَهُم للتعظيم والتهويل.
وأما تورط فرعون الداهية الذكي في متابعة موسى عليه السلام فكان بسبب أنه
(١) فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، محمد بن علي بن محمد الشوكاني، ٥/ ١٦.